للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كِتَابُ النَّفَقَاتِ)

جَمْعُ نَفَقَةٍ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَجَمْعُهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَمُوجِبَاتُهَا النِّكَاحُ وَالْمِلْكُ وَالْقَرَابَةُ) وَالْأَوَّلَانِ يُوجِبَانِهَا لِلزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَلَا عَكْسَ وَالثَّالِثُ يُوجِبُهَا لِكُلٍّ مِنْ الْقَرِيبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِشُمُولِ الْبَعْضِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ (وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي) نَفَقَةِ (الزَّوْجَةِ) بَدَأَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِوُجُوبِهَا بِالْمُعَاوَضَةِ وَغَيْرِهَا بِالْمُوَاسَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْعَجْزِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَخَبَرُ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَبَرُ «مَا حَقُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ قَالَ تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوَّلِ الْمُوجِبُ الْأَوَّلُ، وَأَعَادَ عَلَيْهِ ضَمِيرَ (وَفِيهِ) وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ وَلَوْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَكَانَ فِي الْبَابِ أَبْوَابٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ وَلَكَانَ فِي الْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَبْوَابٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ أَصْلِهِ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَيَشْتَمِلُ الْكِتَابُ عَلَى سِتَّةِ أَبْوَابٍ أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَوَاجِبَةٌ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ وَفِيهَا (ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ، وَكَيْفِيَّتِهِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا يَجِبُ، وَهُوَ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ) مِنْ الْوَاجِبَاتِ (الْأَوَّلُ الطَّعَامُ فَلِزَوْجَةِ الْمُوسِرِ) عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَرِيضَةً أَوْ ذَاتَ مَنْصِبٍ) أَوْ ذِمِّيَّةً (مُدَّانِ، وَ) لِزَوْجَةِ (الْمُعْسِرِ) عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ (مُدٌّ) وَلِزَوْجَةِ (الْمُتَوَسِّطِ) عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ (مُدٌّ، وَنِصْفٌ) وَالْعِبْرَةُ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ رَطْلِ بَغْدَادَ وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] الْآيَةَ.

وَاعْتَبَرُوا النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا هَلْ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَتَقَرَّرُ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةَ الْأَذَى فِي الْحَجِّ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ فِيهَا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَدٌّ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلَّ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا (مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِهَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ) غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ قُوتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَالِبٌ (فَاللَّائِقُ بِهِ لَا بِهَا) هُوَ الْوَاجِبُ (وَالْمُعْسِرُ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ) الْوَاسِعِ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ فِي النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ. وَقَضِيَّةُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَا يَلْزَمُهُ كَسْبُهَا (وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ) يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَ (يَصِيرُ بِتَكْلِيفِ الْمَدِينِ) لَهُ (مِسْكِينًا) وَالْمُوسِرُ بِخِلَافِهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقِلَّةِ الْعِيَالِ، وَكَثْرَتِهِمْ (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا، وَإِنْ كَثُرَ مَالُهَا (مُعْسِرٌ) لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا، وَإِلْحَاقُ الْمُبَعَّضِ بِالْمُعْسِرِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُكَلَّفُ كَفَّارَةَ الْمُوسِرِ وَذَكَرَ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ نَحْوَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَوْ أَلْحَقُوهُ بِالْمُعْسِرِ لَمَا صَرَفَ شَيْئًا لِلْمَسَاكِينِ وَلَا أَنْفَقَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[كِتَابُ النَّفَقَاتِ] [الْبَاب الْأَوَّلُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ] [الطَّرَف الْأَوَّل فِيمَا يَجِب فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

(قَوْلُهُ: وَمُوجِبَاتُهَا إلَخْ) قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّلَاثَةَ بِالشَّرْعِ، وَقَالَ: إنَّمَا قُلْت بِالشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَجِبُ بِالشَّرْطِ فِي مَسَائِلَ كَعَبْدِ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى الْحَصْرِ الْهَدْيَ، وَالْأُضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَيْنِ يَنْتَقِلُ مِلْكُهُمَا إلَى الْفُقَرَاءِ مَعَ وُجُوبِ نَفَقَتِهِمَا عَلَى النَّاذِرِ وَنَصِيبِ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَخَادِمِ الزَّوْجَةِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرُوهُ مَا لَوْ أَشْهَدَ صَاحِبُ الْحَقِّ جَمَاعَةً عَلَى الْقَاضِي وَخَرَجَ لِيُؤَدُّوا عَنْ قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ، وَامْتَنَعُوا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ حَيْثُ لَا شُهُودَ، وَلَا قَاضٍ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ وَرَّطُوهُ نَعَمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ، وَكَذَا دَوَابُّهُمْ ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ الْبَغَوِيّ، وَأَمَّا وُجُوبُ نَفَقَةِ الْخَادِمِ فَمِنْ عُلَقِ النِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] إلَخْ) وقَوْله تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] ، وَالْقَيِّمُ عَلَى الْغَيْرِ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِأَمْرِهِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا أَنْفَقُوا يَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْأَصْلِ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلِزَوْجَةِ الْمُوسِرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَرِيضَةً أَوْ ذَاتَ مَنْصِبٍ مُدَّانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ اعْتِمَادُ الْكَيْلِ لَا الْوَزْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: وَقَدْ يُمْنَعُ الْإِلْحَاقُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ، وَالنَّفَقَةَ مُعَاوَضَةٌ، وَالْوَزْنُ أَضْبَطُ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَمَا يُوَافِقُهُ مِنْ الْكَيْلِ دُونَ مَا يَنْقُصُ عَنْهُ أَوْ يَزِيدُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. اهـ. وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ لَا يُجْدِي شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مُدًّا بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَزْنَ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ الْمُدَّيْنِ لَضَرَّهُ، وَلَوْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِمُدٍّ أَضَرَّهَا (قَوْلُهُ: أَيْ بَلَدِهَا) قَالَ الكوهكيلوني لَوْ كَانَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الزَّوْجِ جِنْسًا وَغَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِمَا جِنْسًا آخَرَ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْمُرَجَّحُ اعْتِبَارُ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَفَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ إلَخْ) أَوْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَصِيرُ بِتَكْلِيفِ الْمُدَّيْنِ لَهُ مِسْكِينًا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْإِنْفَاقِ الَّذِي لَوْ كُلِّفَ بِهِ لَرَجَعَ إلَى حَدِّ الْمِسْكِينِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْإِنْفَاقُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمًا بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالْحَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّكَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مُدَّةَ سَنَةٍ كَمَا قِيلَ بِاعْتِبَارِهَا فِي صَرْفِ كِفَايَتِهِ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ الِاحْتِيَاجُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَحْدِيدِ يَوْمٍ وَيَوْمٍ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>