للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يُمْنَعُ الْإِقَامَةَ) عِنْدَنَا (بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا نَدْبًا سِرًّا) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ سِرًّا لَا تَرْجِعْ، وَإِنْ رَجَعْت فَاهْرَبْ إنْ قَدِرْت قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَقُولُ لِلطَّالِبِ لَا أَمْنَعُك مِنْهُ إنْ قَدِرْت عَلَيْهِ وَلَا أُعِينُك إنْ لَمْ تَقْدِرْ (وَمَعْنَى الرَّدِّ لَهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ) كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ لَا إجْبَارُهُ عَلَى الرُّجُوعِ إذْ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ (فَلَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ الْإِمَامُ) إلَيْهِمْ (لَمْ يَصِحَّ) إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَعْثِ الرَّدُّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّلَبُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ طَلَبُوا مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ، وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى كُفْرِهِ مَكَّنَّاهُمْ مِنْهُ وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا شَرَطُوا أَنْ تَقُومَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَفَّيْنَا بِالشَّرْطِ انْتَهَى بِزِيَادَةٍ

(فَصْلٌ) لَوْ (عُقِدَتْ) أَيْ الْهُدْنَةُ (بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ) مِنَّا (مُرْتَدًّا صَحَّ) وَلَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ (أَوْ) عُقِدَتْ (عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ وَلَوْ) كَانَ الْمُرْتَدُّ (امْرَأَةً) فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ «شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ حَيْثُ قَالَ لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ جَاءَ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا» وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَيَغْرَمُونَ) فِيهَا (مَهْرَهَا) أَيْ الْمُرْتَدَّةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَقْتَضِي انْفِسَاخَ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَوَقُّفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ فَإِلْزَامُهُمْ الْمَهْرَ مَعَ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الِانْفِسَاخِ لَا وَجْهَ لَهُ (وَكَذَا) يَغْرَمُونَ (قِيمَةَ رَقِيقٍ) ارْتَدَّ دُونَ الْحُرِّ (فَإِنْ عَادَ) الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ إلَيْنَا بَعْدَ أَخْذِنَا قِيمَتَهُ (رَدَدْنَاهَا) عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَهْرِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ وَالنِّسَاءُ لَا يَصِرْنَ زَوْجَاتٍ قَالَ: وَيَغْرَمُ الْإِمَامُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّا بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ حُلْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْلَاهُ لَقَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى يَرُدُّوهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا عَلَى الْغُرْمِ لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْمُهَاجِرَةِ وَلَمْ أَرَهُ مُصَرَّحًا بِهِ، وَقَدْ يُشْعِرُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْبَيْعِ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ لِلْكَافِرِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ كَمَا مَرَّ ثَمَّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ

(كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ)

عَلَى الْخَيْلِ وَالسِّهَامِ وَنَحْوِهِمَا فَالْمُسَابَقَةُ تَعُمُّ الْمُفَاضَلَةَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّبَاقُ فِيهِمَا (وَهِيَ لِقَصْدِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ) لِلرِّجَالِ لِلْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] الْآيَةَ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُوَّةَ فِيهَا بِالرَّمْيِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «قَالَ أَجْرَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ضَمُرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَمَا لَمْ يَضْمُرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ سُفْيَانُ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَمِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ» وَخَبَرِ أَنَسٍ «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ» وَخَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» رَوَاهَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ الْإِمَامُ إلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْبَعْثَ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُمْ الْإِسْلَامَ وَالْهِجْرَةَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ

[فَصْلٌ عُقِدَتْ الْهُدْنَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مِنَّا مُرْتَدًّا]

(قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَرُدُّوهُ جَازَ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْأَحْرَارَ الْمَجَانِينَ بَعْدَ الرِّدَّةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَيْهِمْ فِي حَالِ جُنُونِهِمْ نُطَالِبُهُمْ بِرَدِّهِمْ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُمْ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِمْ فَلَا أَثَرَ لَهُ فَإِنْ ذَهَبُوا فِي حَالِ عَقْلِهِمْ ثُمَّ جُنُّوا هُنَاكَ لَمْ نُطَالِبْهُمْ بِرَدِّهِمْ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِالِاخْتِيَارِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ الْمَجْنُونِ الِاخْتِيَارُ الصَّادِرُ عَنْ رُؤْيَةٍ وَتَأَمُّلٍ وَإِلَّا فَلَهُ اخْتِيَارٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبَانَ لِلدَّابَّةِ اخْتِيَارٌ وَقَوْلُهُ نُطَالِبُهُمْ بِرَدِّهِمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ لَا وَجْهَ لَهُ) فَإِنْ قِيلَ وَجْهُهُ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ جَاءَتْنَا مِنْ نِسَائِهِمْ مُسْلِمَةً نَغْرَمُ الْمَهْرُ عَلَى قَوْلٍ سَبَقَ فَإِسْلَامُ تِلْكَ كَارْتِدَادِ هَذِهِ قُلْنَا ذَاكَ مِنْ أَجْلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّلْحِ وَمُرَاعَاةِ الْمُسْلِمَةِ نَغْرَمُ لَهُمْ عَلَى قَوْلٍ الْمَهْرَ لِظَاهِرِ آيَةِ الِامْتِحَانِ {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] فَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْلِمُ مَهْرَ بِضْعٍ بَائِنٍ مِنْهُ أَوْ مُشْرِفٍ عَلَى الْبَيْنُونَةِ اهـ وَقَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّ وَجْهَهُ حُصُولِ حَيْلُولَتِهِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إذْ لَوْلَاهَا لَأَكْرَهْنَاهَا عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَغَرِمُوا لِذَلِكَ كَاتِبَهُ (قَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَقَالَ: وَبِسَبَبٍ وَلَا نَرُدُّ إلَى الْأَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لَمْ نَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا. اهـ.

[كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَفِيهِ بَابَانِ]

(كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ)

(قَوْلُهُ فَالْمُسَابَقَةُ نِعْمَ الْمُفَاضَلَةُ) وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: ١٧] أَيْ نَنْتَضِلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ، وَهِيَ لِقَصْدِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ وَالْمُنَاضَلَةَ سُنَّةٌ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَطْلُوبَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ آكَدُ فَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَإِنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّهْمَ يَنْفَعُ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ كَمَوَاضِعِ الْحِصَارِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الضِّيقِ بَلْ رُبَّمَا ضَرَّ اهـ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُبَاحٌ إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُدَّةً لِلْجِهَادِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا إذَا قَصَدَ بِهِ اللَّهْوَ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَعَلُّمَهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُحَرَّمَةِ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>