للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَكْرَهُهَا) أَيْ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ) أَوْ نَحْوِهِ (وَيُعْرِضُ عَنْهَا) كَأَنْ لَا يَدْعُوهَا إلَى فِرَاشِهِ أَوْ يَهُمُّ بِطَلَاقِهَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ) لَهَا (أَنْ تَسْتَعْطِفَهُ بِمَا يُحِبُّ) كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنْ قَسْمٍ أَوْ نَفَقَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ (فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ) مِنْهُمَا (تَعَدِّيَ صَاحِبِهِ) عَلَيْهِ وَأَشْكَلَ الْحَالُ عَلَى الْحَاكِمِ (سَأَلَ ثِقَةً خَبِيرًا بِهِمَا فَإِنْ عَدِمَ أَسْكَنَهُمَا إلَى جَنْبِ ثِقَةٍ) يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ (يُنْهِي إلَيْهِ) مَا تَعَرَّفَهُ (فَيَزْجُرُ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ فَيَمْنَعُ (الظَّالِمَ) عَنْ ظُلْمِهِ وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ لِمَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُسْرِ

(فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ وَفَحُشَ وَجَبَ) عَلَى الْحَاكِمِ (أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا لَهَا وَحَكَمًا لَهُ بِرِضَاهُمَا لِيُصْلِحَا) بَيْنَهُمَا إنْ تَيَسَّرَ الْإِصْلَاحُ (أَوْ يُفَرِّقَا) بَيْنَهُمَا (بِطَلْقَةٍ) فَقَطْ (إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ) لِلْآيَةِ وَاعْتُبِرَ رِضَاهُمَا لِأَنَّ الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ كَمَا قَالَ.

(وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا) فَلَيْسَا بِحَاكِمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَهُمَا رَشِيدَانِ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا (فَيُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الزَّوْجَيْنِ لَهُمَا فِيمَا يَفْعَلَانِ) فَيُوَكِّلُ الزَّوْجُ (هَذَا) أَيْ حَكَمَهُ (فِي التَّطْلِيقِ وَالْخُلْعِ وَ) تُوَكِّلُ الزَّوْجَةُ (هَذَا) أَيْ حَكَمَهَا (فِي الْبَذْلِ) لِلْعِوَضِ (وَالْقَبُولِ) لِلطَّلَاقِ بِهِ وَالْوَاوُ فِي كَلَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى أَوْ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِبَعْثِهِمَا) وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ (أَدَّبَ الْحَاكِمُ الظَّالِمَ وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ) حَقَّهُ (وَلَا يَكْفِي حُكْمٌ وَاحِدٌ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَّهِمُهُ وَلَا يُفْشِي إلَيْهِ سِرَّهُ (وَشَرْطُهُمَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ) الْمُتَضَمَّنَةُ لِلتَّكْلِيفِ (وَالِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ) بِمَا بُعِثَا لَهُ لَا الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ.

(فَإِنْ أَصْلَحَا) بَيْنَهُمَا (بِتَرْكِ حَقٍّ) كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ وَعَدَمِ تَسَرٍّ أَوْ نِكَاحٍ عَلَيْهَا (لَمْ يَلْزَمْ) تَرْكُهُ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّ الْأَهْلَ أَشْفَقُ وَأَقْرَبُ إلَى رِعَايَةِ الْإِصْلَاحِ وَأَعْرَفُ بِبَوَاطِنِ الْأَحْوَالِ وَلِأَنَّ الْقَرِيبَ يُفْشِي سِرَّهُ إلَى قَرِيبِهِ مِنْ غَيْرِ حِشْمَةٍ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ بَعَثَ أَجْنَبِيَّيْنِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ بَعْثُ عَدُوَّيْنِ (وَ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُمَا (ذَكَرَيْنِ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ فِي هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (فَإِنْ ذَهَبَ الْقَاضِي) إلَيْهِمَا (وَهُوَ أَهْلُ أَحَدِهِمَا جَازَ) وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْآخَرُ وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِمَا أَوْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (وَيَخْلُو كُلُّ حَكَمٍ) مِنْهُمَا (بِصَاحِبِهِ) أَيْ بِمُوَكِّلِهِ (وَيَفْهَمُ مُرَادَهُ وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا) إذَا اجْتَمَعَا (وَيَعْمَلَانِ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا) رَأَيَا (بَعَثَ) اثْنَيْنِ (غَيْرَهُمَا) حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ.

(فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) أَوْ جُنَّ (وَلَوْ بَعْدَ اسْتِعْلَامِ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُمَا) أَيْ أَمْرُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبَعْثِ لَمْ يَجُزْ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ (وَإِنْ غَابَ) أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ (نَفَذَ) أَمْرُهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْوُكَلَاءِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُشْدُ الزَّوْجَةِ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا الْعِوَضَ لَا رُشْدُ الزَّوْجِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ السَّفِيهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ.

(فَرْعٌ لَوْ قَالَ) الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ (خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا) أَوْ خَالِعْهَا أَوْ إذَا أَخَذْت مَالِي مِنْهَا فَطَلِّقْهَا أَوْ خَالَعَهَا (أَوْ طَلِّقْهَا) أَوْ خَالَعَهَا (عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَالِي) مِنْهَا (اُشْتُرِطَ تَقْدِيمُ الْأَخْذِ) لِلْمَالِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْ مَالِي مِنْهَا وَطَلِّقْهَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ حَذَفَهُ لِتَوَهُّمِهِ كَالْإِسْنَوِيِّ أَنَّ الْبَغَوِيّ فَرَّعَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ (أَوْ) قَالَ لَهُ (طَلِّقْهَا) أَوْ خَالَعَهَا (ثُمَّ خُذْ مَالِي) مِنْهَا (جَازَ تَقْدِيمُ الْأَخْذِ) لِلْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَكَالتَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِهَا كَأَنْ قَالَتْ خُذْ مَالِي مِنْهُ ثُمَّ اخْلَعْنِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ

(كِتَابُ الْخُلْعِ) بِضَمِّ الْخَاءِ مِنْ الْخَلْعِ بِفَتْحِهَا وَهُوَ النَّزْعُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَسَيَأْتِي مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ) تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ أَلَا تَرَاهُمْ عَبَّرُوا بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظَ الشَّهَادَةِ.

(قَوْلُهُ وَجَبَ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا لَهَا إلَخْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِذَا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ فَحَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابَ الْبَعْثِ غَيْرَ الرُّويَانِيِّ (قَوْلُهُ وَهُمَا رَشِيدَانِ إذَا كَانَ الزَّوْجَانِ غَيْرَ بَالِغَيْنِ) فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْحَكَمَيْنِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجِ وَعَدَمِ إمْكَانِ بَذْلِ الْمَالِ مِنْ الزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ فَلَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا فِي حَقِّهِمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: ٣٥] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَرْدُودَ إلَيْهِمَا الْإِصْلَاحُ دُونَ الْفُرْقَةِ (قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ بَعْثُ عَدُوَّيْنِ) قَالَ شَيْخُنَا يَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُمَا حَكَمَانِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا

[فَرْعٌ قَالَ الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا أَوْ خَالِعْهَا]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ قَدْ تَغْضَبُ فَتَجْحَدُ أَوْ تَمْتَنِعُ مِنْ الْأَدَاءِ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ

[كِتَابُ الْخُلْعِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>