للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَمْسَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ كَوْنُهَا مُتَقَوِّمَةً) لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا (كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ لَا) اسْتِئْجَارِ (تُفَّاحَةٍ) لِلشَّمِّ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةٍ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ، وَكَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ الْأَكْلَ دُونَ الرَّائِحَةِ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ (وَلَا) اسْتِئْجَارِ (الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالطَّعَامِ وَلَوْ لِتَزْيِينِ حَانُوتٍ) بِخِلَافِ عَارِيَّتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا؛ إذْ مَنْفَعَةُ الزِّينَةِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَةَ) وَفِي نُسْخَةٍ " الشَّجَرَ " (لِظِلِّهَا) أَيْ لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا (أَوْ الرَّبْطِ بِهَا أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ) كَالْعَنْدَلِيبِ (أَوْ لَوْنِهِ) كَالطَّاوُسِ (جَازَ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ، وَتَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا بَيَّاعًا عَلَى كَلِمَةٍ لَا تَعَبَ فِيهَا) وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا (لَكِنْ إنْ تَعِبَ فِيهَا بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ (وَيَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ (فِيمَا يَقْتَضِي التَّعَبَ) مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ " لَا تَعَبَ فِيهَا " وَصُنْعُهُ أَوْلَى مِنْ صُنْعِ أَصْلِهِ حَيْثُ جَعَلَ هَذَا مُفِيدًا لِحُكْمِ ذَاكَ.

(وَيَصِحُّ) الِاسْتِئْجَارُ (فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ) وَالْبَازِي (لِلصَّيْدِ) إذْ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةٌ (لَا) فِي (الْكَلْبِ) لِصَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ دَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لَا قِيمَةَ لِمَنْفَعَتِهِ شَرْعًا وَلِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مَمْنُوعٌ إلَّا لِحَاجَةٍ وَمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَرُكُوبِ الْبَدَنَةِ الْمُهْدَاةِ.

(الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ) الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ (اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا) وَإِنْ تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ كَمَا سَيَأْتِي (فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرِهِ وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا) أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ لَبَنِهَا (لَا يَصِحُّ) لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً) وَلَوْ صَغِيرَةً (لِلْإِرْضَاعِ) الْمُسَمَّى بِالْحَضَانَةِ الصُّغْرَى (وَ) إنْ (نَفَى الْحَضَانَةَ) الْكُبْرَى (جَازَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ مَنْفَعَةً لِلْحَاجَةِ إذْ لَوْ مُنِعَتْ لَاحْتِيجَ إلَى شِرَاءِ اللَّبَنِ كُلَّ دَفْعَةٍ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، كَيْفَ وَالشِّرَاءُ إنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَلَا تَتِمُّ تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ بِاللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ.، عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَالْعَقْدُ) كَائِنٌ (عَلَى الْإِرْضَاعِ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ) لِتَعَلُّقِ الْأَجْرِ فِي الْآيَةِ بِالْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ، وَالِاسْتِئْجَارُ لِلْإِرْضَاعِ مُطْلَقًا يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ اللَّبَنِ وَالْحَضَانَةَ الصُّغْرَى وَهِيَ وَضْعُ الطِّفْلِ فِي الْحِجْرِ وَإِلْقَامُهُ الثَّدْيَ وَعَصْرُهُ لَهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، أَمَّا الْحَضَانَةُ الْكُبْرَى الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْبَابِ الثَّانِي فَلَا يَشْمَلُهَا الْإِرْضَاعُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ.

(تَنْبِيهٌ) مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأ مَمْنُوعٌ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ النَّفَقَاتِ.

(وَيَجُوزُ) لِلشَّخْصِ (اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ) -.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ كَوْنُهَا مُتَقَوِّمَةً) سُقُوطُ الْقِيمَةِ إمَّا لِتَحْرِيمِهَا وَإِمَّا لِخِسَّتِهَا وَإِمَّا لِقِلَّتِهَا وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ: كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَمْلُوكَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْبَذْلِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِتَزْيِينِ حَانُوتٍ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ مُعَرَّاةً فَإِنْ كَانَتْ فَهِيَ حُلِيٌّ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا: أَوْ لِلْوَزْنِ بِهَا، أَوْ لِلضَّرْبِ عَلَى سِكَّتِهَا (قَوْلُهُ: إذْ مَنْفَعَةُ الزِّينَةِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ إلَخْ) وَلِأَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا كَوَطْءِ الْأَمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَةَ لِظِلِّهَا إلَخْ) أَوْ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِي اسْتِئْجَارِ الشَّجَرَةِ لِلْوُقُوفِ فِي ظِلِّهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي يَقِفُ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ إنْ كَانَتْ رَقَبَتُهَا، أَوْ مَنْفَعَتُهَا لَهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ مَنْعُهُ مِنْ الْوُقُوفِ فِيهَا وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ فَالِاسْتِئْجَارُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فَمَا صُورَةُ الْخِلَافِ وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ مُبَاحَةً أَوْ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَكَانَتْ الْأَغْصَانُ مَائِلَةً إلَى مِلْكِ صَاحِبِ الشَّجَرَةِ وَأَمْكَنَ تَمْيِيلُهَا إلَى الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَاسْتَأْجَرَهَا لِلْوُقُوفِ فِي ظِلِّهَا لِيُمِيلَهَا إلَى جِهَتِهِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَغْصَانُ مَائِلَةً إلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَقِفُ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَاسْتَأْجَرَهَا لِيَمْتَنِعَ الْمَالِكُ مِنْ قَطْعِهَا (قَوْلُهُ: وَتَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: لَا بَيَّاعًا عَلَى كَلِمَةٍ لَا تَعَبَ فِيهَا) فِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ عَلَى دَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ، وَعِلْمُهُ بِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ مِمَّا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ كَثْرَةَ التَّعَبِ وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَا يَصِحُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذْ قَدْ لَا يَشْتَرِي الْمُعَيَّنُ لَكِنْ ذَكَرَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِشِرَاءِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ جَازَ أَيْ إذَا عَرَفَ مِنْ حَالِ مَالِكِهِ بَيْعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى الْحَضَانَةَ الْكُبْرَى جَازَ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفَى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى لَمْ يَصِحَّ (قَوْلُهُ: تَعَلُّقِ الْأُجْرَةِ فِي الْآيَةِ بِالْإِرْضَاعِ) لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْبِئْرِ لِاسْتِقَاءِ مَاءَهَا وَتَجُوزُ تَبَعًا كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ فَإِنَّ لَهُ اسْتِعْمَالَ مَائِهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ) فِي فَتَاوَى صَاحِبِ الْبَيَانِ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ شَاةٍ لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[تَنْبِيهٌ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى إرْضَاعِ اللَّبَنِ]

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>