للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ وَضَعْته قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ لِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْبَائِعُ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ) بِيَمِينِهِمَا (فِي بَقَاءِ أَجَلٍ اُخْتُلِفَ فِي ابْتِدَائِهِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُمَا فَإِذَا ادَّعَى غَرِيمُهُمَا انْقِضَاءَهُ فَقَدْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ مُطَالَبَتِهِ وَهُمَا يُنْكِرَانِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ اخْتَلَفَ مَعَ غَرِيمِهِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ (وَإِنْ) بَاعَ شَيْئًا فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ اخْتِلَافٌ بِأَنْ (قَالَ الِابْنُ أَوْ الْمُوَكِّلُ بَاعَ أَبِي مَالِي فِي الصِّغَرِ) لِنَفْسِهِ مُتَعَدِّيًا (أَوْ) بَاعَ (وَكِيلِي) مَالِي (مُتَعَدِّيًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ) بَاعَهُ (لِحَاجَتِك أَوْ بِلَا تَعَدٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْوَكِيلِ أَمِينٌ فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ لَا يَخْفَى لَكِنْ قَوْلُهُ بِلَا تَعَدٍّ يَصْلُحُ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ

(كِتَابُ السَّلَمِ)

وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ يُقَالُ أَسْلَمَ وَسَلَّمَ وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ وَسُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةُ فَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالسَّلَمِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (وَهُوَ بَيْعُ) شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ بِبَدَلٍ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ) بِمَجْلِسِ الْبَيْعِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اعْتِبَارَ التَّعْجِيلِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّلَمِ لَا رُكْنٌ فِيهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ رَسْمٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ مَا ذُكِرَ وَقَضِيَّةُ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ (وَهُوَ بَيْعُ) أَيِّ نَوْعٍ مِنْهُ

لَكِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ (بِشُرُوطٍ) سِتَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ بَيْعٌ مُكَرَّرٌ (الْأَوَّلُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ) إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ (وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمُسَلَّمَ فِيهِ) فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِيهِ تَبَرُّعٌ وَالتَّبَرُّعُ لَا يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَرْطُ تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ (وَيَصِحُّ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ وَبَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ وَالْعِوَضَانِ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْعَاقِدُ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي ذِمَّةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَالْآخَرُ فِي ذِمَّةِ الْآخَرِ وَهُمَا (مَوْصُوفَانِ بِصِفَةِ السَّلَمِ) ثُمَّ يُعَيِّنُ وَيُسَلِّمُ فِي الْمَجْلِسِ مَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِيهِ فَلَوْ تَفَارَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ وَكَذَا لَوْ تَخَايَرَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الرِّبَا (وَإِذَا تَفَرَّقَا بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ صَحَّ فِيهِ بِقِسْطِهِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ (وَلَوْ قَبَضَهُ) مِنْهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ (فِي الْمَجْلِسِ وَرَدَّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنٍ) لَهُ عَلَيْهِ (صَحَّ) كُلٌّ مِنْ الرَّدِّ وَالْعَقْدِ (كَمَا ذَكَرَهُ) الْأَصْلُ (فِي الرِّبَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ) هُنَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْآخَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ الْآخَرِ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَقْتَضِي إسْقَاطَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ إمَّا مَعَهُ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابَيْ الرِّبَا وَالْخِيَارِ.

وَاعْتَرَضَ بِهِ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى مَا نَقَلَاهُ هُنَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ قَبْلَ انْبِرَامِ مِلْكِهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ حَذَفَ ذَلِكَ وَذَكَرَ بَدَلَهُ الصِّحَّةَ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ فِي الرِّبَا أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِعَيْنِهِ وَأَفْهَم كَلَامُهُ بِالْأَوْلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْمُسَلَّمِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ (وَإِنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ مَا) لَهُ (فِي ذِمَّتِهِ أَوْ صَالَحَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ) لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْأَوْلَى وَلِعَدَمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فِي الثَّانِيَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ صُدِّقَ الْبَائِعُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ

[كِتَابُ السَّلَمِ]

(كِتَابُ السَّلَمِ) هَلْ هُوَ عَقْدُ غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَهُوَ رُخْصَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) كَالشَّفَقِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ وَسَطِ السَّنَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا فَكَذَلِكَ الْمُثَمَّنُ وَلِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا فَإِنَّ أَرْبَابَ الضَّيَائِعِ قَدْ يَحْتَاجُونَ إلَى مَا يُنْفِقُونَهُ عَلَى مَصَالِحِهَا فَيَسْتَلِفُونَ عَلَى الْغَلَّةِ وَأَرْبَابُ النُّقُودِ يَنْتَفِعُونَ بِالرُّخْصِ فَجُوِّزَ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَرَرٌ كَالْإِجَارَةِ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ «مَنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ مَوْزُونٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا أَوْ إلَى أَجَلٍ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا» لَا أَنَّهُ حَصَرَهُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْأَجَلِ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَيْعٌ مَوْصُوفٌ فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا هَذَا وَالنِّكَاحُ (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اعْتِبَارَ إلَخْ) وَعَقْدُ الصَّرْفِ وَالِاسْتِبْدَالِ عَنْ الْمُثَمَّنِ بِمَا يُوَافِقُهُ مِنْ الْمَوْصُوفَاتِ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ

(قَوْلُهُ زَائِدَةٌ عَلَى شُرُوطِ الْبَيْعِ) الْوَارِدِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا اقْتَضَى اشْتِرَاطَ رُؤْيَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَالصِّيغَةِ فَلَا تَرُدُّ صِحَّةَ سَلَمِ الْأَعْمَى دُونَ شِرَائِهِ (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ) لِخَبَرِ «مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» وَالسَّلَفُ التَّقْدِيمُ فَاقْتَضَى التَّعْجِيلَ وَلِأَنَّ السَّلَمَ مُشْتَقٌّ مِنْ اسْتِلَامِ رَأْسِ الْمَالِ أَيْ تَعْجِيلِهِ وَأَسْمَاءُ الْعُقُودِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ الْمَعَانِي لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ تِلْكَ الْمَعَانِي فِيهَا (قَوْلُهُ وَالتَّبَرُّعُ لَا يُغَيِّرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ) مُرَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ مَوْضُوعِ الْعَقْدِ فَيَبْطُلُ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ كَالصَّرْفِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّعْيِينُ وَمَا وَجَبَ تَعْيِينُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ بِنَفْيِهِ وَقَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ) وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ الصَّحِيحُ اهـ فَهُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ مَا ثَبَتَ لَهُ) أَيْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ) وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَصَارِفَيْنِ لَوْ قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>