للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] أَيْ رَجْعَةً كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُهُ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ مُفَسَّرٌ أَنَّ بِالرَّجْعَةِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا كَمَا مَرَّ «وَطَلَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ كَوْنِهَا سُنَّةً أَوْ لَا لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْحَالِ (وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ) مُرْتَجِعٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَجَعَلَ الْأَصْلُ مِنْ أَرْكَانِهَا الطَّلَاقَ مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ سَبَبٌ لَهَا (الْأَوَّلُ) الزَّوْجُ (الْمُرْتَجِعُ وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ عَقْدِ النِّكَاحِ) بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُرْتَدٍّ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ (فَلَا تَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (فِي الرِّدَّةِ) وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ كَمَا لَا يَصِحُّ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ فِيهَا وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحْرِمَ فَإِنَّهُ يُرَاجِعُ وَلَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ وَإِنَّمَا الْإِحْرَامُ مَانِعٌ (لَكِنْ لِلْعَبْدِ) وَالسَّفِيهِ (الرَّجْعَةُ بِلَا إذْنٍ) وَإِنْ احْتَاجَ فِي النِّكَاحِ إلَيْهِ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ (وَلِحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُرَاجَعَةٌ لِأَمَةٍ) الَّتِي طَلَّقَهَا لِذَلِكَ (وَيُرَاجِعُ الْوَلِيُّ لِمَجْنُونٍ) طَلَّقَ قَبْلَ جُنُونِهِ حَيْثُ (يَجُوزُ) لَهُ (تَزْوِيجُهُ) بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ الْمَجْنُونُ.

(الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ وَصَرِيحُهَا رَاجَعْت فُلَانَةَ أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَجَعْتهَا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي لِشُهْرَتِهَا فِي ذَلِكَ وَوُرُودِهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ مَا اُشْتُقَّ مِنْ مَصْدَرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي كَانَتْ مُرَاجَعَةً أَوْ مُرْتَجَعَةً (وَلَوْ كَانَتْ) الصِّيغَةُ (بِالْعَجَمِيَّةِ) سَوَاءٌ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا كَمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا رَدَّدْتهَا) لِوُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي مَعَ رَاجَعْت زَوْجَتِي وَنَحْوَهُ) مِنْ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ (لَكِنَّهُ فِي رَدَدْت زَوْجَتِي شَرْطٌ) لِصَرَاحَتِهِ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ فَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ فَلَزِمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فِيهِ أَيْضًا (وَ) قَوْلُهُ (رَاجَعْت) مَثَلًا (بِلَا إضَافَةٍ) إلَى مُظْهَرٍ أَوْ مُضْمَرٍ (لَا يُجْزِئُ) فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةٍ إلَيْهِ كَرَاجَعْتُ فُلَانَةَ أَوْ رَاجَعْتُك أَوْ رَاجَعْتهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) قَوْلُهُ (رَاجَعْتهَا لِلضَّرْبِ أَوْ لِلْإِكْرَامِ) أَوْ نَحْوِهِمَا (لَا يَضُرُّ) فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ (إلَّا إنْ قَصَدَهُمَا دُونَ الرَّجْعَةِ) فَيَضُرُّ فَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ فِيمَا إذَا قَصَدَهُمَا مَعَهَا أَوْ أَطْلَقَ (فَيُسْأَلُ) احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يُبَيِّنُ مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السُّؤَالِ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ (وَ) قَوْلُهُ (أَمْسَكْتُك وَتَزَوَّجْتُك وَاخْتَرْت رَجْعَتَك وَرَفَعْت تَحْرِيمَك وَأَعَدْت حِلَّك وَنَحْوَهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا (كِنَايَةً) لِاحْتِمَالِهِ الرَّجْعَةَ وَغَيْرِهَا وَلِأَنَّ تَزَوَّجْتُك وَنَحْوَهُ كَ نَكَحْتُك صَرِيحَانِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونَانِ صَرِيحَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي شَيْءٍ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَمَا قَالَهُ فِي أَمْسَكْتُك مِنْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَالْأَذْرَعِيَّ النَّاقِلَيْنِ لَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِي اشْتِرَاطِ الْإِضَافَةِ فِيهِ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي رَدَدْتهَا لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ اسْتِحْبَابُهَا فِيهِ مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي رَدَدْتهَا وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي رَدَدْتهَا.

(وَكَذَا لَوْ جَرَى عَقْدٌ) لِلنِّكَاحِ عَلَيْهَا (بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) بَدَلَ الرَّجْعَةِ كَانَ كِنَايَةً لِمَا مَرَّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ صَرَائِحَ الرَّجْعَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فَلَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قَالَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرَائِحُهُ مَحْصُورَةٌ مَعَ أَنَّهُ إزَالَةُ حِلٍّ فَالرَّجْعَةُ الَّتِي تُحَصِّلُهُ أَوْلَى.

[فَرْع الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ]

(فَرْعٌ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ) عَلَى الرَّجْعَةِ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَالْأَمْرِ بِهِ فِي آيَةِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٤] مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا (فَتَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ) وَإِنْ قَدَرَ عَلَى النُّطْقِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ، وَعَطْفُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْكِنَايَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (لَا بِالْوَطْءِ) وَمُقَدَّمَاتِهِ وَإِنْ نَوَى بِهَا الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهَا عَلَيْهَا وَكَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا إلَخْ) وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِ الْأَجَلِ هُنَا مُقَارَبَةُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ إذَا انْقَضَتْ فَلَا إمْسَاكَ لَهُ.

(قَوْلُهُ وَطَلَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفْصَةَ وَسَوْدَةَ) وَأَنْكَرَ ابْنُ حَزْمٍ سَوْدَةَ وَقَالَ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ.

(قَوْلُهُ وَلِحُرٍّ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا) لَوْ عَتَقَتْ الرَّجْعِيَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا وَلِهَذَا قَالُوا فِي بَابِ الْخِيَارِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَنْقَطِعَ سَلْطَنَةُ الرَّجْعَةِ

(قَوْلُهُ الرُّكْنُ الثَّانِي الصِّيغَةُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ الْقَوْلِ كَالنِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي) مَعْنَاهُ أَنَّهَا رَجَعَتْ إلَى النِّكَاحِ الْكَامِلِ الَّذِي لَمْ تَكُنْ الْبَيْنُونَةُ فِيهِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.

(قَوْلُهُ وَرَاجَعْت بِلَا إضَافَةٍ لَا يُجْزِئُ) عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ ضَمِيرٍ أَوْ اسْمٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ وَصْفٍ كَرَاجَعْتُكِ أَوْ رَاجَعْت فُلَانَةَ أَوْ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتِي أَوْ نَحْوَهَا.

(قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي التَّهْذِيبِ اسْتِحْبَابُهَا فِيهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَحْتَاج فِيهِ إلَى أَنْ يَقُولَ إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ

(قَوْلُهُ فَتَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَالنِّيَّةِ فِيهَا) كَمَا فِي كِنَايَةِ الطَّلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>