للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ قَاتَلُوا) الْمُسْلِمِينَ (بِلَا شُبْهَةٍ أَوْ مَنَعُوا الْجِزْيَةَ أَوْ الِانْقِيَادَ لِلْحُكْمِ) بِمَعْنَى امْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ بِالْقُوَّةِ وَالْعُدَّةِ لَا بِالْهَرَبِ (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضُ بِذَلِكَ وَلَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِمُخَالَفَتِهِمْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلُوا لِشُبْهَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْبُغَاةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الثَّانِيَةِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اسْتَمْهَلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيُخَصُّ قَوْلُهُمْ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلِ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ الْأَوَّلَ مَفْهُومٌ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْمَنْعِ

(وَلَوْ نَكَحَ مُسْلِمَةً) وَوَطِئَهَا (أَوْ زَنَى بِهَا) مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا (أَوْ قَتَلَ) مُسْلِمًا (قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ) ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا (أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا) عَلَى مُسْلِمٍ (أَوْ تَجَسَّسَ لِلْكُفَّارِ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ بِأَنْ تَطَلَّعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا وَنَقَلَهَا إلَيْهِمْ أَوْ آوَى جَاسُوسًا لَهُمْ (أَوْ دَعَا) مُسْلِمًا (إلَى دِينِهِ) أَوْ فَتَنَهُ عَنْ دِينِهِ (أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْإِسْلَامَ) أَوْ الْقُرْآنَ (جَهْرًا) أَوْ نَحْوَهَا (مِمَّا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ فَإِنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهِ اُنْتُقِضَ وَإِلَّا فَلَا) يُنْتَقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ لَا انْتِقَاضَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَحَ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ فَقَدْ يَسْلَمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ بِمُسْلِمٍ كَزِنَاهُ بِمُسْلِمَةٍ وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمْ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ مُوجَبُ مَا فَعَلَهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا (فَلَوْ شَرَطَ) عَلَيْهِ (ذَلِكَ) أَيْ الِانْتِقَاضَ بِهِ (ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ وَمَالُهُ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا وَقِيلَ لَا يَصِيرُ فَيْئًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ

(فَرْعٌ إذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ بِقِتَالِهِ) لَنَا (قُتِلَ) وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِبْلَاغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ (أَوْ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ (بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ مِنْ قَتْلٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ اسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَأَخْرَجَ مَا لَوْ سَأَلَ ذَلِكَ فَتَجِبُ إجَابَتُهُ وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَمْنِهِ صَبِيٍّ حَيْثُ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ بِأَنْ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا، وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ وَاسْتَشْكَلَ مَا ذُكِرَ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ فَإِنْ قَاتَلُوا بِلَا شُبْهَةٍ إلَخْ) اسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ النَّقْضَ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فَكَيْفَ تُقْطَعُ الْعُقُودُ بِالْأَفْعَالِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً مِنْ جَانِبِ الذِّمِّيِّ اُلْتُحِقَتْ فِي حَقِّهِ بِالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ وَالْعَقْدُ الْجَائِزُ إذَا انْتَفَى مَقْصُودُهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَبْعُدْ انْقِطَاعُهُ، وَإِنْ كَانَ الصَّادِرُ فِعْلًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلُوا لِشُبْهَةٍ إلَخْ) وَكَقِتَالِهِمْ الصَّائِلِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنَّا (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالْقَادِرِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ أَوْ زَنَى بِهَا) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَحُكْمُ مُقَدَّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالزِّنَا، وَهُوَ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا) مُقْتَضَى تَقْيِيدِ التَّنْبِيهِ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ لَكِنْ عَبَّرَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ بِقَوْلِهِ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَقَتْلٌ مُوجِبٌ الْقِصَاصَ وَكَذَا عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِفِعْلِ ذَلِكَ مَعَ الذِّمِّيِّ وَقَيَّدَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِكَوْنِهِ عَلَى مُسْلِمٍ وَفِي مَعْنَاهُ الْقَتْلُ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ حَرَامٌ كَالتَّعَرُّضِ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ الْمُلْتَزَمَةِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَقَوْلُهُ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ التَّنْبِيهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ.

(قَوْلُهُ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا) أَوْ فَرْعَهُ الْمُسْلِمَ (قَوْلُهُ أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ كَنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا أَوْ الْقَدْحِ فِي نَسَبِهِ انْتَقَضَ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ وَقِيلَ ذِكْرُهُ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ كَذِكْرِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) قَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا مَا لَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَمْ لَا لَكِنْ قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ يَجِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي مُطْلَقِ الشَّرْعِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ فِيهِ نَظَرًا (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ) كَبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَلِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ كَالْقِتَالِ (قَوْلُهُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ إلَخْ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَفُرُوعِهِ.

(قَوْلُهُ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ إلَخْ) ، وَهُوَ غَرِيبٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لِوَاطَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ) بَلْ الصَّوَابُ وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ قَالَ جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَتَلَقَّى حُكْمُهَا مِمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْأَمَانِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ لِرِسَالَةٍ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَالْتُحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَكَرَ عَقْدَ الْجِزْيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَوْتِهِ بَعْدَ النَّقْضِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: عَنْ الْقَوْلِ الْأَصَحِّ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ هـ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثَمَّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ هُنَا قُتِلَ بِمُوجِبِ مَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ

[فَرْعٌ نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ]

(قَوْلُهُ فَلِلْإِمَامِ الْخِيرَةُ فِيهِ مِنْ قَتْلٍ إلَخْ) فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ وَكَتَبَ أَيْضًا فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ امْتَنَعَ غَيْرُ الْمَنِّ أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الرِّقِّ فَيَرِقُّ أَوْ الْقَتْلِ فَيُطْلَقُ أَمَّا الْمُفَادَاةُ فَتَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>