للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ قَضَائِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَلْنُقَدِّمْ) عَلَيْهِ (قَوَاعِدَ) فَنَقُولُ (الْمُعْتَمَدُ) فِيمَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي (الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ) وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُقَالُ الْإِجْمَاعُ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمَا وَالْقِيَاسُ يُرَدُّ إلَى أَحَدِهِمَا (وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إنْ لَمْ يَنْتَشِرْ) فِي الصَّحَابَةِ (حُجَّةً) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَأِ فَأَشْبَهَ التَّابِعِيَّ وَلِأَنَّ غَيْرَهُ يُسَاوِيهِ فِي أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ (لَكِنْ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ) عَلَى الْآخَرِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ (فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ) فِي شَيْءٍ (كَاخْتِلَافِ) سَائِرِ (الْمُجْتَهِدِينَ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُجَّةً نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَجَالٌ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى فِي لَيْلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِتُّ سَجَدَاتٍ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْت بِهِ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ تَوْقِيفًا انْتَهَى.

وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ أَيْضًا أَنَّهُ حُجَّةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ (فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ فِي الصَّحَابَةِ وَوَافَقُوهُ فَإِجْمَاعٌ حَتَّى فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ) كَغَيْرِهِ (مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ) وَإِنْ خَالَفُوهُ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا حُجَّةٍ (فَإِنْ سَكَتُوا) بِأَنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا بِمُخَالَفَتِهِ أَوْ لَمْ يُنْقَلْ سُكُوتٌ وَلَا قَوْلٌ (فَحُجَّةٌ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَوْلُ مُجَرَّدَ فَتْوَى أَمْ حُكْمًا مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ خَالَفُوهُ لَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ هَذَا (إنْ انْقَرَضُوا) وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِأَمْرٍ يَبْدُو لَهُمْ (وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ) ، وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ بَعْدَ تَأْثِيرِهِ (وَغَيْرُهُ) ، وَهُوَ مَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (فَالْجَلِيُّ كَإِلْحَاقِ الضَّرْبِ بِالتَّأْفِيفِ) فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وَمَا فَوْقَ الذَّرَّةِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] وَمِنْهُ مَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ كَخَبَرِ «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ عَلَيْكُمْ» (وَهُوَ كَالْمَنْصُوصِ) فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا (وَغَيْرُهُ الْجَلِيُّ مَا يَحْتَمِلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ) لِلْأَصْلِ فَمِنْهُ مَا الْعِلَّةُ فِيهِ مُسْتَنْبَطَةٌ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِعِلَّةِ الطَّعْمِ وَمِنْهُ قِيَاسُ الشَّبَهِ، وَهُوَ أَنْ تُشْبِهَ الْحَادِثَةُ أَصْلَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوْصَافِ بِأَنْ تُشَارِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَالْأَوْصَافِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ كَالْعَبْدِ يُشَارِكُ الْحُرَّ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَالْمَالِ فِي بَعْضِهَا فَيَلْحَقُ بِمَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ أَكْثَرُ (وَالْحَقُّ) الَّذِي أَمَرَ الْمُجْتَهِدُ بِإِصَابَتِهِ (مَعَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْفُرُوعِ) .

قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ فِي الْأُصُولِ (وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ لِقَصْدِهِ) الصَّوَابَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (فَقَطْ) أَيْ لَا لِاجْتِهَادِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى بِهِ إلَى الْخَطَأِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ الطَّرِيقَ الْمَأْمُورَ بِهِ (فَإِنْ بَانَ لِلْقَاضِي الْخَطَأُ فِي حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ نَظَرْت فَإِنْ خَالَفَ) فِيهِ (قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ وَإِجْمَاعٍ أَوْ ظَنِّيًّا مُحْكَمًا) أَيْ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ نُقِضَ) وُجُوبًا (حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْبَقِيَّةِ (وَعَلَيْهِ إعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِانْتِقَاضِهِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَحَاصِلُ كَلَامِ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَحْجُورِهِ بِالْحُكْمِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي الَّذِي لَيْسَ بِوَصِيٍّ تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَالِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَإِنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ لِلْيَتِيمِ الَّذِي هُوَ تَحْتَ وَصِيَّتِهِ تَبْقَى وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ وَضَعُفَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَاكِمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَوْ شَهِدَ بِالْمَالِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَقَبِلْنَا شَهَادَتَهُ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَشْهَدُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ بِالْمَالِ لِمَنْ هُوَ مُوصًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي جِهَتِهِ مَالٌ لِوَقْفٍ هُوَ تَحْتَ نَظَرِهِ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ غَيْرِ الْحُكْمِ ع وَالظَّاهِرُ تَفَقُّهًا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِجِهَةِ وَقْفٍ كَانَ نَاظِرُهَا الْخَاصُّ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَمِثْلُهُ مَدْرَسَةٌ وَهُوَ مُدَرِّسُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ وَالْحَاكِمُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالنَّظَرِ فَكَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَصَرَّحَ شُرَيْحٌ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِي الْغَنِيمَةِ بِالْغُلُولِ إلَّا إذَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ ع وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ الْقَاضِي أَحَدَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ أَحَدُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ مَعَ غَاصِبٍ أَجْنَبِيٍّ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَصِيرُ بَعْضِ الْوَقْفِ إلَيْهِ إذْ قَدْ لَا يَصِيرُ إلَيْهِ لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

[فَصْلٌ فِيمَا يُنْقَضُ مِنْ قَضَاء الْقَاضِي]

(قَوْلُهُ فَهُوَ حُجَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ

(قَوْلُهُ فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُنْتَشِرَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَوْ كَانَ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ غ (قَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ) الدَّافَّةُ الْجَيْشُ يَدُفُّونَ نَحْوَ الْعَدُوِّ وَالدَّفِيفُ الدَّبِيبُ صِحَاحٌ وَقَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا) كَأَنْ اسْتَنَدَ إلَى نَصٍّ فَبَانَ مَنْسُوخًا أَوْ إلَى عُمُومٍ فَبَانَ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ خُصَّتْ بِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَإِجْمَاعُ) قَالَ الكوهكيلوني وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ لِلضَّرُورَةِ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ (قَوْلُهُ أَوْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ) أَوْ دَلَالَةُ الْعَامِّ (قَوْلُهُ نُقِضَ) كَأَنْ يَقُولَ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته أَوْ فَسَخْته أَوْ هُوَ بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَوْ رَجَعْت عَنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا مِمَّا بِهِ يَحْصُلُ النَّقْضُ بِ " نَقَضْتُهُ " أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته وَفِي هَذَا بَاطِلٌ وَنَحْوُهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نَقْضٌ وَقَدْ قَضَى شُرَيْحٌ فِي زَوْجٍ وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ تَشْبِيهًا لَهُ بِالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ وَجَدْت هَذَا فَنَقْضُهُ عَلَيَّ وَدَفَعَ لِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسَ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا.

(قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِي مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ) كَأَنْ حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ أَوْ بِنَصٍّ فَبَانَ نُسْخَةً أَوْ بِعُمُومِ نَصٍّ ثُمَّ بَانَ خُرُوجُ تِلْكَ الصُّورَةِ بِدَلِيلٍ مُخَصِّصٍ وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِاجْتِهَادِهِ مَا إذَا كَانَ مُقَلِّدًا وَحَكَمَ بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>