للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِنَا قَدْ تَكُونُ تَقِيَّةً بِخِلَافِهَا فِي دَارِهِمْ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ، وَتَبِعَ فِي ذِكْرِهِ الْأَسِيرَ أَصْلَهُ، وَلَهُ وَجْهٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي إرْشَادِهِ كَالْأَكْثَرِ تَبَعًا لِلنَّصِّ (وَلَوْ صَلَّى حَرْبِيٌّ) الْمُرَادُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، وَلَوْ (فِي دَارِهِمْ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ) بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ عَلَقَةَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ فِيهِ وَالْعَوْدُ أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَسُومِحَ فِيهِ (إلَّا إنْ سَمِعَ تَشَهُّدَهُ) فِي الصَّلَاةِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إسْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ، وَالْكَلَامُ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ الدَّالَّةِ بِالْقَرِينَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ دَفْعُ إيهَامِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ) (لَا نَسْتَرِقُّ) نَحْنُ (مُرْتَدًّا) لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ (وَيَجِبُ قَتْلُهُ) إنْ لَمْ يَتُبْ لِخَبَرِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُقْتَلُ بِالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ فَكَذَلِكَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَمَحْمُولٌ بِدَلِيلِ سِيَاقِ خَبَرِهِ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُدْفَنُ الْمُرْتَدُّ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِخُرُوجِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْهُمْ، وَلَا فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ (وَيَتَوَلَّاهُ) أَيْ قَتْلَهُ (الْحَاكِمُ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ (بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ لَا الْإِحْرَاقِ) بِالنَّارِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ فَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ أَوْ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الرَّقَبَةِ عُزِّرَ وَسَيُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ (وَيُسْتَتَابُ) قَبْلَ قَتْلِهِ (وُجُوبًا لَا اسْتِحْبَابًا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَرَمًا بِالْإِسْلَامِ وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَالُ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كَمَا مَرَّ، وَالِاسْتِتَابَةُ تَكُونُ (فِي الْحَالِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُؤَجَّلُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ (لَا ثَلَاثًا) رُدَّ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَآخَرُ حَدِّ الْقِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَعْرِضُ لَهُ شُبْهَةٌ فَاحْتُمِلَتْ لَهُ الثَّلَاثَةُ لِيَتَرَوَّى فِيهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ أَيْ غَيْرَ التَّعْزِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُسِيئًا بِفِعْلِهِ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ فِي قَتْلِهِ فِي جُنُونِهِ.

(وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ إسْلَامُهُ (وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا لَا يَتَنَاهَى خُبْثُهُ) فِي عَقِيدَتِهِ أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» .

(وَيُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ) الِارْتِدَادُ ثُمَّ أَسْلَمَ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ.

(وَيُعَزَّرُ الْمُسْتَبِدُّ) أَيْ الْمُسْتَقِلُّ (بِقَتْلِهِ، وَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ) بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ.

(وَلَوْ قَذَفَ نَبِيًّا) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ تَعْرِيضًا (ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَهَلْ يُتْرَكُ) مِنْ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ (أَوْ يُقْتَلُ حَدًّا) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النَّبِيِّ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ (أَوْ يُجْلَدُ) ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ فِيهِ (ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) حُكِيَ الْأَوَّلُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي، وَجِيزِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَوَافَقَهُ الْقَفَّالُ وَالثَّالِثُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ فَعَلَيْهِ لَوْ عَفَا وَاحِدٌ مِنْ بَنِي أَعْمَامِ النَّبِيِّ فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي آخِرِ الْجِزْيَةِ وَصَوَّبَ أَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْدًا لَا يَكْفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ قَالَ: وَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى قَوْمًا وَزَعَمَ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْرَمُوهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ بِقَتْلِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَافِرًا.

(وَلَوْ سَأَلَ الْمُرْتَدُّ) قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا (إزَالَةَ شُبْهَةٍ) عَرَضَتْ لَهُ (نُوظِرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ) لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَنْحَصِرُ فَحَقُّهُ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يَسْتَكْشِفَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَفِي، وَجْهٍ يُنَاظَرُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّيْفِ وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاسْتَبْعَدَ الْخِلَافَ كَذَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ عَكْسُ ذَلِكَ فَجُعِلَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةُ أَوَّلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ عَدَمُهَا (وَإِنْ شَكَا قَبْلَ الْمُنَاظَرَةِ جُوعًا) ، وَقُلْنَا بِتَقْدِيمِهَا أَوْ بِتَأْخِيرِهَا كَمَا جَرَى هُوَ عَلَيْهِ، وَأَسْلَمَ بِأَنْ قَالَ أَنَا جَائِعٌ فَأَطْعِمُونِي ثُمَّ نَاظِرُونِي (أُطْعِمَ أَوَّلًا) ثُمَّ نُوظِرَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِنَا إلَخْ) ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْدِرُ فِي دَارِنَا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَيَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا. .

[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ) (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَوَلَّاهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ إلَخْ) نَعَمْ إنْ قَاتَلَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ جَازَ أَنْ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَالْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَتُزَالُ) فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ قَبْلَ كَشْفِهَا وَالِاسْتِتَابَةُ مِنْهَا كَأَهْلِ الْحَرْبِ ظَانًّا لَا نَقْتُلُهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ، وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ، وَلَا يَقْتُلُهُ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ رَجْمَ الزَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا يَتَنَاهَى خُبْثُهُ فِي عَقِيدَتِهِ) ، قَالَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ مَنْ يُخْفِي الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ لَكِنْ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ مِلَّةً وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَاكَ وَفِيهَا وَفِي غَيْرِهَا هُنَا أَنَّهُ الْأَقْرَبُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُخْفِي الْكُفْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَدَيَّنَ بِدِينٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الزَّنَادِقَةَ أَنْوَاعٌ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَدَوَامِ الدَّهْرِ عِ.

(قَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الِارْتِدَادُ إلَخْ) فَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُعَزَّرُ الْمُسْتَبِدُّ إلَخْ) مَحَلُّهُ مَاذَا لَمْ يُكَافِئْهُ، وَإِلَّا اقْتَصَّ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَجَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ إلَخْ) وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ لَمْ تَزَلْ قُضَاةُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ (قَوْلُهُ: فَفِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ) أَرْجَحُهُمَا عَدَمُ سُقُوطِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>