(إلَّا) إنْ كَانَتْ (مِنْ النَّعَامِ) فَيَضْمَنُ قِشْرَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ قِيمَةً إذْ يُنْتَفَعُ بِهِ (وَإِنْ كَسَرَهَا) أَيْ الْبَيْضَةَ (عَنْ فَرْخٍ حَيٍّ فَمَاتَ فَمِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ) يَجِبُ، وَإِنْ طَارَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا عَنْ بَيْضَةٍ أَوْ أَحْضَنَهُ) أَيْ بَيْضَهُ (دَجَاجَةً) أَوْ عَكْسَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ (وَفَسَدَ) بَيْضُ الصَّيْدِ (ضَمِنَهُ، وَإِنْ تَفَرَّخَ) الْبَيْضُ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ بِطَيَرَانِهِ) مِمَّنْ يَعْدُو عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ لَا يَحْرُمُ الْإِنْسِيُّ) أَيْ التَّعَرُّضُ لَهُ (وَإِنْ تَوَحَّشَ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيِّ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَإِنْ اسْتَأْنَسَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا (وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ صَيْدٌ) كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ (فَحُكْمُهُ فِي الْجَزَاءِ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الصَّيْدِ، وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَصَيْدُ الْبَحْرِ) ، وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ (حَلَالٌ) قَالَ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] (لَا مَا عَاشَ مِنْهُ فِي الْبَرِّ) أَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ (كَطَيْرِهِ) الَّذِي يَغُوصُ فِيهِ وَيَخْرُجُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ بَرِّيٌّ إذْ لَوْ تُرِكَ فِيهِ لَهَلَكَ وَالْجَرَادُ بَرِّيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَالْمُحْرِمُ فِي التَّعَرُّضِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ) الَّذِي يَحْرُمُ تَعَرُّضُهُ لَهُ (مِنْ الْحَيَوَانَاتِ كَالْحَلَالِ) فَمِنْهُ مَا يَنْفَعُ وَيَضُرُّ كَفَهْدٍ وَصَقْرٍ وَفَأْرٍ فَلَا يُسَنُّ قَتْلُهُ، وَلَا يُكْرَهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ نَفْعٌ، وَلَا ضَرَرٌ كَخَنَافِسَ وَجِعْلَانٍ وَسَرَطَانٍ وَرَخَمَةٍ وَكَلْبٍ لَيْسَ بِعَقُورٍ، وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً فَيُكْرَهُ قَتْلُهُ وَيَحْرُمُ قَتْلُ النَّحْلِ وَالنَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَالْخُطَّافِ وَالضُّفْدَعِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ وَمِنْهُ مَا يُسَنُّ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ وَبَقٍّ وَبُرْغُوثٍ وَكُلِّ مُؤْذٍ كَمَا سَيَأْتِي كُلُّ ذَلِكَ فِي الْأَطْعِمَةِ (إلَّا لِقَمْلِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ خَاصَّةً) مِنْ الْمُحْرِمِ (فَيُكْرَهُ) تَعَرُّضُهُ لَهُ لِئَلَّا يُنْتَتَفَ الشَّعْرُ فَإِنْ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ (وَ) لَكِنْ (يَفْدِي الْوَاحِدَةَ) مِنْهُ، وَلَوْ (بِلُقْمَةٍ اسْتِحْبَابًا) أَمَّا قَمْلُ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ فَلَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ، وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَيَنْبَغِي سَنُّ قَتْلِهِ كَالْبُرْغُوثِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ الْمُصَنِّفِ الْمُحْرِمَ بِالْحَلَالِ وَقَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ تَنْحِيَتُهُ قَدْ يَقْتَضِي جَوَازَ رَمْيِهِ حَيًّا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ جَوَازُهُ نَظَرًا لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْجُمْلَةِ وَكَالْقَمْلِ الصِّئْبَانُ، وَهُوَ بَيْضُهُ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَكِنَّ فِدْيَتَهُ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمْلِ.
(فَصْلٌ) فِي أَسْبَابِ تَضْمِينِ الصَّيْدِ، وَهِيَ الْمُبَاشَرَةُ وَالتَّسَبُّبُ وَوَضْعُ الْيَدِ (لِلسَّبَبِ) الْآتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ (حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ) فِي الضَّمَانِ (فَمَنْ نَصَبَ شَبَكَةً) أَوْ نَحْوَهَا (وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ مَا وَقَعَ فِيهَا) وَتَلِفَ سَوَاءٌ كَالنِّعَمِ فِي مِلْكِهِ أَمْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَصْبَهَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَهُوَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ بِخِلَافِ الْبِئْرِ حَيْثُ فَصَلَ فِيهَا بَيْنَ حَفْرِهَا عُدْوَانًا وَغَيْرَ عُدْوَانٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَسَوَاءٌ أَوَقَعَ فِيهَا الصَّيْدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَمْ بَعْدَهُ لِتَعَدِّيهِ حَالَ نَصْبِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَهَا لِإِصْلَاحِ مَا، وَهِيَ مِنْهَا أَوْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ كَمَا لَوْ نَصَبَهَا، وَهُوَ حَلَالٌ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ دَالٌّ عَلَيْهِ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ (إنْ نَصَبَهَا) ، وَهُوَ حَلَالٌ (ثُمَّ أَحْرَمَ) فَلَا يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا (وَإِنْ أَرْسَلَ) مُحْرِمٌ (كَلْبًا) مُعَلَّمًا عَلَى صَيْدٍ (أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَالصَّيْدُ حَاضِرٌ) ثُمَّ (أَوْ غَائِبٌ) ، ثُمَّ ظَهَرَ (فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَحَلَالٍ) فَعَلَ ذَلِكَ (فِي الْحَرَمِ) بِجَامِعِ التَّسَبُّبِ فِيهِمَا، وَجَهْلِهِ بِالصَّيْدِ فِي الْغَيْبَةِ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ (لَوْ انْحَلَّ رِبَاطُهُ بِتَقْصِيرِهِ) فِي الرَّبْطِ فَقَتَلَ صَيْدًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، ثُمَّ ظَهَرَ. وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ حُكْمِ الْغَائِبِ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفَارَقَ مَا ذَكَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ بِأَنَّ الْكَلْبَ مُعَلَّمٌ لِلِاصْطِيَادِ فَاصْطِيَادُهُ بِإِرْسَالِهِ كَاصْطِيَادِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ مَنْسُوبًا إلَى الْمُرْسِلِ بَلْ إلَى اخْتِيَارِ الْكَلْبِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا غَيْرَ مُعَلَّمٍ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَعَزَاهُ إلَى نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ هَؤُلَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ ضَارِيًا وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا لِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَأَرْسَلَهُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِصُفْرَتِهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى الْمُهَذَّبِ: الْمَذِرَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْفَاسِدَةُ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا (قَوْلُهُ وَصَيْدُ الْبَحْرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ الْبَحْرَ الْمَعْهُودَ بَلْ الْمُرَادُ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ النَّهْرُ وَالْبَحْرُ وَالْبِئْرُ وَالْبِرْكَةُ وَنَحْوُهَا (قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] قَالَ الْقَفَّالُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَرِّيِّ وَالْبَحْرِيِّ أَنَّ الْبَرِّيَّ إنَّمَا يُصَادُ غَالِبًا لِلتَّنَزُّهِ وَالتَّفَرُّجِ وَالْإِحْرَامُ يُنَافِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ يُصَادُ غَالِبًا لِلِاضْطِرَارِ وَالْمَسْكَنَةِ فَأُحِلَّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَكُلُّ مُؤْذٍ) وَمِنْهُ الْعَنَاكِبُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَمْتَنِعُ مِنْ قَتْلِهَا؛ لِأَنَّهَا عَشَّشَتْ فِي فَمِ الْغَارِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُذْبَحَ الْحَمَامُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) يَحْرُمُ إلْقَاؤُهَا فِي الْمَسْجِدِ حَيَّةً، وَلَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ جَوَازُ إلْقَائِهَا بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَاَلَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ مُتَعَيِّنٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ الْقَمْلَةَ فَلْيَصُرَّهَا فِي ثَوْبِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ» وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
[فَصْلٌ فِي أَسْبَابِ تَضْمِينِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ]
(قَوْلُهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ) لَوْ كَانَ الصَّيْدُ بَعْضَ قَوَائِمِهِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضَهَا فِي الْحَرَمِ وَجَبَ الْجَزَاءُ، وَلَا نَظَرَ إلَى الرَّأْسِ، ثُمَّ هَذَا فِي الْقَائِمِ أَمَّا النَّائِمُ فَالْعِبْرَةُ بِمُسْتَقَرِّهِ كَمَا قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبًا إلَخْ) لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَزَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مُحْرِمٍ فَهَلْ يَضْمَنُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِهِمْ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ كَلَامِ هَؤُلَاءِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute