للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاحِشٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَعَلَى قَنَادِيلِهَا وَحُصُرِهَا فَكَيْفَ نُصَحِّحُهُ عَلَى تَرْمِيمِهَا (فَنُبْطِلُهُ) أَيْ الْوَقْفَ عَلَى كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا) وَإِنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمُهُمْ (لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ) عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا (أَوْ) كَانَ (قُرْبَةً) أَيْ جِهَةً يَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ (كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَحَّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ (وَيَصِحُّ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ) وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ قُرْبَةٌ (كَالْأَغْنِيَاءِ) لِأَنَّ الْمَرْعِيَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ التَّمْلِيكُ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَالْوَصِيَّةِ لَا جِهَةُ الْقُرْبَةِ (إلَّا أَنْ تَضْمَنَ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ كَالْيَهُودِ وَ) سَائِرِ (الْفُسَّاقِ) كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ: إنَّهُ الْأَحْسَنُ بَعْدَ قَوْلِهِ: الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ كَالْأَغْنِيَاءِ.

(فَصْلٌ لَوْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ، أَوْ الثَّوَابِ فَلْيُعْطَ أَقْرِبَاءُ الْوَاقِفِ، ثُمَّ) إنْ لَمْ يُوجَدْ فَلْيُعْطَ (أَهْلُ الزَّكَاةِ) غَيْرُ الْعَامِلِينَ، وَالْمُؤَلَّفَةِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (أَوْ) وَقَفَ (عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ) يُعْطَوْنَ (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ) أَوْ سَبِيلِ الثَّوَابِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ (وَسَبِيلِ الْخَيْرِ فَثُلُثٌ) يُعْطَى (لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِبِهِ) أَيْ الْوَاقِفِ (وَثُلُثٌ لِبَاقِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِينَ، وَالْمُؤَلَّفَةِ) وَخَالَفَ هَذَا مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ اللَّفْظَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَقَارِبِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمْ أَشْعَرَ بِتَغَايُرِهِمَا فَحُمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَمَا فِي لَفْظَيْ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَكْفَانِ الْمَوْتَى وَمُؤْنَةِ الْغَالِّينَ وَالْحَفَّارِينَ وَعَلَى شِرَاءِ الْأَوَانِي لِمَنْ تَكَسَّرَتْ عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ (أَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا) يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي (وَإِنْ قَلَّ) يُعْطَى (أَوْ) عَلَى (الْمُتَفَقِّهَةِ فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ) أَيْ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِئُهُ وَمُنْتَهِيهِ يُعْطَى (أَوْ) عَلَى (الصُّوفِيَّةِ فَالنُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ) أَيْ فَيُعْطَى الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا (وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ وَلَا) عِبَارَةُ أَكْثَرِ نُسَخِ الْأَصْلِ أَوْ لَا (يَفِي دَخْلُهُ بِخُرْجِهِ وَلَوْ خَاطَ وَنَسَجَ أَحْيَانًا فِي غَيْرِ حَانُوتٍ وَكَذَا إنْ دَرَسَ، أَوْ وَعَظَ) أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ (أَوْ لَمْ يُلْبِسْهُ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ) فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ (وَيَكْفِي) فِيهِ مَعَ مَا مَرَّ (التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ، أَوْ الْمُخَالَطَةُ وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا) كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ (كَالْوَقْفِ عَلَى عَلْفِ الدَّوَابِّ) الْمُرْصَدَةِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هَذَا النَّظِيرُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الدَّارِ) وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ (إلَّا إنْ قَالَ) وَقَفْتُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ (لِطَارِقِيهَا) لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ، وَإِلَّا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدٍ، أَوْ رِبَاطٍ (وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى الْمُؤَنِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْبَلَدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ) أَوْ غَيْرِهِ (لَا) عَلَى (عِمَارَةِ الْقُبُورِ) لِأَنَّ الْمَوْتَى صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ الْعِمَارَةُ نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ ذَكَرَهُ.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

التَّرْمِيمِ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُمْ لَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي هُمْ عَلَيْهَا وَيُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ.

(فَرْعٌ) لَوْ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ صَحَّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ (قَوْلُهُ: كَالْيَهُودِ وَسَائِرِ الْفُسَّاقِ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُسَّاقِ، وَالْقُطَّاعِ وَالسُّرَّاقِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَطَلَ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى الْفُسَّاقِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهُمْ فُسَّاقٌ فَإِنَّ الْأَوَّلَ فَاسِدٌ وَالثَّانِيَ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا قَالَ الْأَصْلُ فِيهِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُوَ صَحِيحٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَلَكِنَّهُ نَاظِرٌ فِي الْأَغْنِيَاءِ لِقَصْدِ التَّمْلِيكِ وَفِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَلِحَاظِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ كَافَّةً وَهُوَ كَإِحْدَاثِ قَوْلٍ بَعْدَ إجْمَاعِ الْأَوَّلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الْغِنَى الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ قَالَ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَلَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ وَيَبْعُدُ أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ مَنْ اسْتَغْنَى عَنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَكَانَ رِزْقُهُ وَمَالُهُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ، أَوْ أَزْيَدَ بِقَلِيلٍ وَفِي الْمُسْكِتِ لِلزُّبَيْرِيِّ ضَبْطُهُ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ إمَّا لِمَالِهِ، أَوْ لِقُوتِهِ وَكَسْبِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِشَرْطِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَرَجَ عَنْ الْوَقْفِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لِأَنَّهُ جِهَةُ مَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ تُقْصَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى جِهَةِ الْقُرْبَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ وَقَعَ لِي فِي الْمُحَاكَمَاتِ هَذَا الشَّرْطُ فَأَبْطَلْته وَأَثْبَتُّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْإِسْلَامِ. اهـ.، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَقْفِ.

[فَصْلٌ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ أَوْ الثَّوَابِ]

(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَالْغُزَاةُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْغُزَاةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: تُصْرَفُ مَنْفَعَتُهُ إلَى اللَّهِ وَلَوْ قَالَ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَظْهَرُ جَوَازُ صَرْفِهِ إلَى الْغُزَاةِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُزَاةِ وَبَيْنَ صَرْفِ الْمَنْفَعَةِ إلَى اللَّهِ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَلَّفَةِ) وَهُمْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (قَوْلُهُ: فَمَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ) قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمْعُ فَقِيهٍ وَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فَقُهَ بِضَمِّ الْقَافِ إذَا صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّتَهُ وَمَنْ حَصَّلَ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ فَاقِهٌ لِأَنَّهُ مِنْ فَقَهَ بِفَتْحِ الْقَافِ إذَا فَهِمَ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهِ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا) قَالَ شَيْخُنَا مَا لَمْ تَكُنْ وَقْفًا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>