للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ بَعْدَ شَفْعِ الْوَارِثِ (لَمْ يُشَارِكْهُ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَمْ يُشَارِكْ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ.

(وَإِنْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمَيِّتِ وَوَرِثَهَا الْحَمْلُ أُخِّرَتْ لِانْفِصَالِهِ) فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْأَخْذُ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ فَالشَّفِيعُ) فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَنٍ وَنَقْصِ قِيمَةِ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ وَغَيْرِهِمَا كَأَنْ بَنَى فِيهِ أَوْ غَرَسَ بَعْدَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ قَلَعَ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَهُ وَغِرَاسَهُ (كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ) فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ.

(وَلِلْوَارِثِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ) فَلَوْ مَاتَ وَلَهُ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا فَبَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ قَبْلَ بَيْعِ الشِّقْصِ فِي الدَّيْنِ فَلِلْوَارِثِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ لِلْوَارِثِ.

(وَإِنْ بَاعَ الْوَرَثَةُ فِي الدَّيْنِ بَعْضَ دَارِ الْمَيِّتِ لَمْ يَشْفَعُوا وَلَوْ كَانُوا شُرَكَاءَ) لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكُوهَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِمْ فَلَوْ أَخَذُوا بِالشُّفْعَةِ لَأَدَّى الْحَالُ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَا مَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِمْ فَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يَأْخُذُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارِهِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُهُ، وَأَمَّا أَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ.

[فَصْلٌ الْحِيلَةُ فِي دَفْعِ الشُّفْعَةِ]

(فَصْلٌ الْحِيلَةُ فِي دَفْعِ الشُّفْعَةِ مَكْرُوهَةٌ)

لِمَا فِيهَا مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ (لَا فِي) دَفْعِ (شُفْعَةِ الْجَارِ) الَّذِي يَأْخُذُ بِهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْحِيلَةُ فِي دَفْعِهَا (مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ) بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ (بِكَثِيرٍ، ثُمَّ يَأْخُذَ بِهِ عَرَضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ) عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ، أَوْ يَحُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ (أَوْ) أَنْ (يَشْتَرِيَ الْبَائِعُ) أَوَّلًا (الْعَرَضَ) الْمَذْكُورَ (بِالْكَسْرِ ثُمَّ يُعْطِيَهُ الشِّقْصَ) عِوَضًا (عَمَّا الْتَزَمَ، أَوْ) أَنْ (يَشْتَرِيَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشِّقْصِ (جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ، ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ) وَهَذِهِ الْحِيَلُ فِيهَا غَرَرٌ فَقَدْ لَا يَفِي صَاحِبُهُ (أَوْ) أَنْ (يَبِيعَ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ) وَيَقْبِضَهُ (وَيَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ) فِي الْمَوْزُونِ، أَوْ يُنْفِقَهُ، أَوْ يَضِيعَ مِنْهُ (أَوْ) أَنْ (يَهَبَ كُلٌّ) مِنْ مَالِكِ الشِّقْصِ وَآخِذِهِ (لِلْآخَرِ) بِأَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ، ثُمَّ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ (ثُمَّ إنْ خَشِيَا عَدَمَ الْوَفَاءِ) بِالْهِبَةِ (وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا) مِنْهُمَا (مَعًا) بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ، ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.

(كِتَابُ الْقِرَاضِ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ وَيُسَمَّى أَيْضًا مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ وَلِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ السَّفَرِ الْمُسَمَّى ضَرْبًا قَالَ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: ١٠١] الْآيَةَ وَمُقَارَضَةً وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَالْحَاجَةُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] وَالْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ» . وَحَقِيقَتُهُ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ دَفْعَ مَالٍ لِآخَرَ لِيَتَّجِرَ لَهُ فِيهِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا

(وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ. الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِ صِحَّتِهِ)

الْأَخْصَرُ " أَرْكَانُهُ " (وَهِيَ خَمْسَةٌ) رَأْسُ مَالٍ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ (الْأَوَّلُ رَأْسُ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نَقْدًا) خَالِصًا (مَعْلُومًا مُعَيَّنًا مُسَلَّمًا لِلْعَامِلِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى.

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

إذَا بَاعَ الشِّقْصَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لَهُ، وَإِذَا جَازَ اسْتِبْقَاءُ الشُّفْعَةِ لَهُ بِسَبَبِ بَيْعٍ سَابِقٍ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ كَانَ بِسَبَبِ بَيْعٍ مُتَأَخِّرٍ كَذَلِكَ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْعَفْوُ عَنْ الشُّفْعَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا، أَوْ مَغْبُونًا.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ الشِّقْصَ إلَخْ) وَمِنْهَا وَهِيَ أَحْسَنُهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ الْبِنَاءَ خَاصَّةً ثُمَّ يَتَّهِبَ مِنْهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَرْصَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعِنْدِي صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ شَخْصٌ الشِّقْصَ مُدَّةً لَا يَبْقَى الشِّقْصُ أَكْثَرَ مِنْهَا بِأُجْرَةٍ يَسِيرَةٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الشِّقْصَ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ فَإِنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يَنْفَسِخُ بِالشِّرَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَخْذِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ بَقَائِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يُنَفِّرُهُ وِلِأَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيِّ مُصَنَّفٌ فِي الْحِيَلِ.

[كِتَابُ الْقِرَاضِ وَفِيهِ ثَلَاثَة أَبْوَاب]

[الْبَاب الْأَوَّل فِي أَرْكَان الْقِرَاض]

(كِتَابُ الْقِرَاضِ) (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ» ) وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ: مُضَارَبَةُ الْعَبَّاسِ، وَإِجَازَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْطُهُ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ صُهَيْبٍ «ثَلَاثَةٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ وَعَدَّ مِنْهَا الْمُقَارَضَةَ» وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ «خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ الْعَامِلِ إذَا نَصَحَ» ، وَفِي سَنَدِهِمَا ضَعْفٌ وَهُوَ رُخْصَةٌ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَالْحَوَالَةُ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَرَايَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي ابْتِدَاؤُهُ يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ بِالْجُعْلِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ، وَانْتِهَاؤُهُ يُشْبِهُ الْجَعَالَةَ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعَامِلِ مَوْقُوفٌ عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: وَحَقِيقَتُهُ عَقْدٌ إلَخْ) الْقِرَاضُ شَرْعًا عَقْدٌ عَلَى نَقْدٍ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ الْعَامِلُ بِالتِّجَارَةِ لِيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا يَشْرِطَانِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نَقْدًا خَالِصًا إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَصِحُّ عَلَى نَقْدٍ تَعَلَّقَ بِهِ رَهْنٌ لَازِمٌ لِغَيْرِ الْعَامِلِ أَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي مُعَاوَضَةِ غَيْرِ مُقْرَضٍ قُلْتُهُمَا تَخْرِيجًا. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْمَغْشُوشِ إنْ اسْتَمَرَّ رَوَاجُهُ فِي الْبَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُنَا بِمِثْلِهِ وَيُجَابَ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَصِحُّ فِي الْعَرَضِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ عَلَى أَنَّ الْجُرْجَانِيَّ قَالَ بِصِحَّةِ الْقِرَاضِ فِي الْمَغْشُوشِ الْمُسْتَهْلَكِ غِشُّهُ وَهُوَ قَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْقِرَاضِ عَلَى نَقْدٍ خَالِصٍ فِي نَاحِيَةٍ لَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فِيهَا وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ قَدْ أَلْحَقَهُ شَيْخِي بِمَا يَرُوجُ مِنْ الْفُلُوسِ وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ، أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاضَلَةِ، وَقَوْلُهُ: " قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَصِحُّ عَلَى نَقْدٍ إلَخْ " أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ: " وَيُجَابَ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ إلَخْ " وَكَذَا قَوْلُهُ: " عَلَى أَنَّ الْجُرْجَانِيَّ قَالَ إلَخْ " وَكَذَا قَوْلُهُ: " وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ " وَكَذَا قَوْلُهُ: " وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ إلَخْ ".

(قَوْلُهُ: مَعْلُومًا) أَيْ قَدْرًا وَصِفَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>