للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَلَكهَا لِخَبَرِ: «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» . لَكِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ ذَلِكَ عَلَى تَلَاعُنِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا كَالْفُرْقَةِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ فَإِنَّهَا تَحْصُلُ بِوُجُوبِ سَبَبٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالتَّأْبِيدُ هُنَا صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ وَمَا رُوِيَ أَنَّ «عُوَيْمِرًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ فَلِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهِمَا» أَيْ لَا مِلْكَ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُك قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُمَا بِالْفُرْقَةِ إنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ كَمَا أَعْلَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا (وَيَسْقُطُ بِهِ) عَنْهُ (حَدُّ قَذْفِهَا) لِآيَةِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] إذْ ظَاهَرَهَا لِأَنَّ لِعَانَهُ كَشَهَادَةِ الشُّهُودِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِهِ (وَ) يَسْقُطُ بِهِ حَدُّ (قَذْفِهِ لِلزَّانِي إنْ سَمَّاهُ فِي لِعَانِهِ) كَمَا مَرَّ (وَيَنْتَفِي) بِهِ (النَّسَبُ) عَنْهُ (إنْ نَفَاهُ) فِي لِعَانِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» (وَيَثْبُتُ) بِهِ (حَدُّ الزِّنَا عَلَيْهَا) لِلْأَيَّةِ (وَتَسْقُطُ) بِهِ (حَصَانَتُهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ) هِيَ أَوْ لَاعَنَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ أَطْلَقَ كَمَا مَرَّ (وَيَتَشَطَّرُ) بِهِ (الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ) كَالطَّلَاقِ قَبْلَهُ (وَيَسْتَبِيحُ) بِهِ (نِكَاحَ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا) وَإِنْ لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُهَا كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ (وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا) بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ (وَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ لِعَانُهَا (لِدَرْءِ الْحَدِّ عَنْهَا) لِلْآيَةِ (فَإِنْ أَثْبَتَ) أَيْ أَقَامَ بَيِّنَةً (بِزِنَاهَا) أَوْ بِإِقْرَارِهَا بِهِ (لَمْ تُلَاعِنْ) لِدَرْءِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُقَاوِمُ الْبَيِّنَةَ (وَسَقَطَ) بِذَلِكَ (الْحَدُّ) لِلْقَذْفِ (عَنْهُ وَوَجَبَ) بِهِ حَدُّ الزِّنَا (عَلَيْهَا) عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ.

(فَصْلٌ يَنْتَفِي) عَنْهُ (النَّسَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ) أَيْ إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِ (بِلَا لِعَانٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ فَلَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ تَسَعُ الْوَطْءَ بَعْدَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ (وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعٍ) مِنْ السِّنِينَ (وَيُشْتَرَطُ كَمَالُهَا) أَيْ التَّاسِعَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كِتَابِ الْحَجْرِ (ثُمَّ) بَعْدَ إمْكَانِ إحْبَالِهِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ بِهِ (لَا يُلَاعِنُ حَتَّى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ الْبُلُوغِ (فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارِهِ) لَهُ (صُدِّقَ) وَمُكِّنَ مِنْ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ (وَيُمْكِنُ) الْإِحْبَالُ (مِنْ مَجْبُوبِ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ) لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ وَالذَّكَرُ آلَةٌ تُوَصِّلُ الْمَاءَ إلَى الرَّحِمِ بِوَاسِطَةِ الْإِيلَاجِ وَقَدْ يُفْرَضُ وُصُولُ الْمَاءِ بِغَيْرِ إيلَاجٍ (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ يُمْكِنُ ذَلِكَ مِنْ مَجْبُوبِ الْأُنْثَيَيْنِ دُونَ الذَّكَرِ، وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يُولَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ وَقَدْ يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا وَإِدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ أَوْلَى مِنْ إدَارَتِهِ عَلَى الْإِنْزَالِ الْخَفِيِّ (لَا) مِنْ (مَمْسُوحٍ) بِأَنْ يَكُونَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ يُخْلَقَ لِمِثْلِهِ وَلَدٌ.

(وَمَنْ اسْتَلْحَقَ حَمْلًا تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (نَفْيُهُ) كَمَا فِي الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ (وَلَيْسَ لَهُ نَفْيُ أَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ) وَهُمَا اللَّذَانِ وُلِدَا مَعًا أَوْ كَانَ بَيْنَ وَضْعَيْهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدٌ مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَوَلَدٌ مِنْ مَاءِ آخَرَ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَنِيِّ اسْتَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى قَبُولُهُ مِنْ آخَرَ وَمَجِيءُ الْوَلَدَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ فَالتَّوْأَمَانِ مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يُبَعَّضَانِ لُحُوقًا وَلَا انْتِفَاءً (فَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَاعَنَ لِنَفْيِهِ، ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ (فَهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يُبَادِرْ لِنَفْيِهِ بِاللِّعَانِ) بِأَنْ اسْتَلْحَقَهُ أَوْ سَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ مَعَ إمْكَانِهِ (لَحِقَهُ الْأَوَّلُ) تَبَعًا لِلثَّانِي تَغْلِيبًا لِجَانِبِ اللُّحُوقِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ أَسْرَعُ مِنْ انْتِفَائِهِ وَلِهَذَا يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ وَبِالْإِقْرَارِ وَبِالسُّكُوتِ الْمُشْعِرِ بِهِ بِخِلَافِ انْتِفَائِهِ، فَإِنْ بَادَرَ لِنَفْيِهِ انْتَفَى كَالْأَوَّلِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ نَفْيُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلِعَانٍ فَقَوْلُهُمْ بِاللِّعَانِ لَيْسَ بِقَيْدٍ (وَحُدَّ لِقَذْفِهَا إنْ لَحِقَهُ) الثَّانِي (بِاسْتِلْحَاقٍ) كَمَا لَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ (لَا) إنْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» ) فَنَفَى السَّبِيلَ مُطْلَقًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُؤَبَّدُ الْبَيْنِ غَايَتَهُ كَمَا بَيَّنَهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ بِهِ حَدُّ قَذْفِهَا إلَخْ) فَلَوْ أَكْذَبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَلَحِقَهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سُقُوطُ حَدِّهَا حِينَئِذٍ فَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَهُ مُصَرَّحًا بِهِ لَكِنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ سُقُوطَهُ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَقَالَ فَلَا تُحَدُّ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى اللِّعَانِ وَيَسْتَبِيحُ نِكَاحَ أُخْتِهَا إلَخْ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إذَا نَفَاهُ بِلِعَانِهِ وَارْتِفَاعُ فِسْقِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى قَذْفِهَا وَاسْتِبَاحَةِ الرَّبِيبَةِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَكَتَبَ أَيْضًا كُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْبَيْنُونَةِ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا غَيْرَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَغَيْرَ الْمُحَلِّلِ آتٍ هُنَا وَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَلَا إيلَاءٌ وَلَا ظِهَارٌ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فِيهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا مِنْ الزَّوْجِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ إذَا نَفَاهُ بِاللِّعَانِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَيَخْطُبُ فِيهَا بِالتَّعْرِيضِ لَا بِالتَّصْرِيحِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِيهَا لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ وَلَا يُغَسِّلُهُ وَلَا يَتَوَلَّى دَفْنَهَا، وَأَمَّا لِعَانُهُ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِإِرْثِهِ مِنْهَا وَمُقْتَضَاهُ إثْبَاتُ الْغُسْلِ وَالدَّفْنِ وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ امْتِنَاعَ الْإِرْثِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِمَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ أَيْضًا نَفْيُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ وَيَتَشَطَّرُ الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ وَقَوْلُهُ آتٍ هُنَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَقَطْ) وَيَنْتَفِي فِسْقُهَا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَتَبْقَى وِلَايَتُهَا فِي وِصَايَةٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَعُودُ حَقُّ الْحَضَانَةِ بِمُجَرَّدِ الْتِعَانِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَانِثِ مِنْهُمَا أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ.

[فَصْلٌ انْتِفَاء النَّسَبُ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ بِهِ]

(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَمَالُهَا التَّاسِعَةَ إلَخْ) فَإِذَا وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَسَاعَةٍ تَسَعُ الْوَطْءَ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ الْبُلُوغِ (قَوْلُهُ فَقَوْلُهُمْ اللِّعَانُ لَيْسَ بِقَيْدٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>