كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ وَالرَّهْنِ
(الطَّرَفُ السَّابِعُ فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالضِّرَارِ وَهِيَ فِي السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ وَفِي الْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْحِرْفَةِ (فَمَنْ بِهِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ لَا عُنَّةَ فَلَيْسَ بِكُفْءٍ) لِامْرَأَةٍ (وَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي مُطْلَقِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِيهِ (كَرَتْقَاءَ وَمَجْبُوبٍ) أَمْ اتَّفَقَا كَأَبْرَصَ وَبَرْصَاءَ وَإِنْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرَ وَأَفْحَشَ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ ذَلِكَ وَالْإِنْسَانُ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَاسْتِثْنَاؤُهُ الْعُنَّةَ تَبِعَ فِيهِ كَالْإِسْنَوِيِّ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ فَلَا نَظَرَ لَهَا، وَنَقَلَهَا عَنْهُ الْأَصْلُ ثُمَّ قَالَ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ انْتَهَى وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَزَادَ الرُّويَانِيُّ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ الْعُيُوبَ الْمُنَفِّرَةَ كَالْعَمَى وَالْقَطْعَ وَتَشَوُّهِ الصُّورَةِ وَقَالَ هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ الصَّيْمَرِيُّ.
(وَلَا يُكَافِئُ الْحُرَّةَ) أَصْلِيَّةً أَوْ عَتِيقَةً (وَلَا مَنْ لَمْ يَمَسَّ آبَاءَهَا أَوْ الْأَقْرَبَ) إلَيْهَا (مِنْهُمْ الرِّقُّ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهَا فِي النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ فِي الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا نَفَقَةَ الْمُعَسِّرِينَ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي النَّسَبِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ (وَلَا يُكَافِئُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْقُرَشِيَّةَ وَالْهَاشِمِيَّةَ إلَّا مِثْلُهَا) لِشَرَفِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ النَّاسَ تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ فَخَارٍ وَلِخَبَرِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ اصْطَفَى بَنِي هَاشِمٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» .
(وَبَنُو هَاشِمٍ و) بَنُو (الْمُطَّلِبِ أَكْفَاءُ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَمَحَلُّهُ فِي الْحُرَّةِ فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ» كَمَا سَيَأْتِي، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ مَوَالِيَ كُلِّ قَبِيلَةٍ لَيْسُوا أَكْفَاءَ لَهَا (وَسَائِرُ الْعَرَبِ) أَيْ بَاقِيهِمْ (أَكْفَاءُ) أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ لَكِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ أَكْفَاءٌ وَجَرَى النَّوَوِيُّ عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ مُسْتَدْرِكًا عَلَى الرَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ غَيْرَ كِنَانَةَ لَا يُكَافِئُهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ السُّبْكِيُّ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فَحَصَلَ فِي كَوْنِهِمْ أَكْفَاءُ وَجْهَانِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُمْ أَكْفَاءُ وَعَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ خِلَافَهُ فَتَفْضُلُ مُضَرُ عَلَى رَبِيعَةَ وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقَدَّمَ عَنْهُ نَظِيرُهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ أَضْيَقُ مِنْهُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى وَلِهَذَا سَوَّوْا بَيْنَ قُرَيْشٍ هُنَاكَ وَلَمْ يُسَوُّوا بَيْنَهَا هُنَا وَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ قُرَشِيٌّ بِشَرْطِهِ فَكِنَانِيٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَجَمِيٌّ فَإِذَا قَدَّمُوا الْكِنَانِيَّ عَلَى غَيْرِهِ ثَمَّ وَلَمْ يُكَافِئْ بَيْنَهُمَا فَهُنَا أَوْلَى قَالَ وَاسْتِدْرَاكُ النَّوَوِيِّ عَلَى الرَّافِعِيِّ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ صَحَّحَ اعْتِبَارَ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ إنْ كَانُوا كَالْعَجَمِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهُ فِيهِمْ كَمَا يَقُولُ الرَّافِعِيُّ بِلَا شَكٍّ وَاَلَّذِي اغْتَرَّ بِهِ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ خِلَافَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْجَمَاعَةَ مِمَّنْ يَقُولُ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي غَيْرِ الْعَرَبِ لَا تُعْتَبَرُ
(وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي نَسَبِ الْعَجَمِ) كَالْعَرَبِ وَحَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَيُعْتَبَرُ فِي كَفَاءَةِ الْعَجَمِ نَسَبُهُمْ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُعْتَبَرُ النَّسَبُ فِي الْعَجَمِ أَيْ فَتَفْضُلُ الْفُرْسُ عَلَى النَّبَطِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى الْقِبْطِ (وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ) فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً) فَمَنْ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[الطَّرَفُ السَّابِعُ فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ]
الطَّرَفُ السَّابِعُ فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ)
شَرْطُ الْكَفَاءَةِ خَمْسَةٌ قَدْ حُرِّرَتْ يُنْبِيكَ عَنْهَا بَيْتُ شِعْرٍ مُفْرَدٍ نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ) ؛ لِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَتْ فِيمَا مَضَى فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَتَوَقُّعُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ نِكَاحٍ آخَرَ أَمْرٌ نَادِرٌ فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَرْجَحُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْأَصْلِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ) أَيْ لَا يَتَحَقَّقُ بَقَاؤُهَا مَعَ طَلَبِ الْعِنِّينِ النِّكَاحَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنْ لَا يَطْلُبَ النِّكَاحَ إلَّا عِنْدَ وَفَاتِهِ وَزَوَالِ الْمَرَضِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعُنَّةُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَالَ الْعُنَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ النِّسَاءِ لَا إلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَافِئُ الْحُرَّةَ إلَخْ) وَلَا يُكَافِئُ الْعَبْدُ الْمُبَعَّضَةَ وَيُكَافِئُ الْمُبَعَّضُ الْمُبَعَّضَةَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّتُهَا.
(قَوْلُهُ فِي النَّسَبِ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي آبَاءِ النَّسَبِ لَا آبَاءِ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ أَكْفَاءٌ) قَالَ ابْنُ ظَهِيرَةَ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ كُفُؤُ الشَّرِيفَةِ مِنْ بَنَاتِ الْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ (قَوْلُهُ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَمَا قَالَهُ حَقٌّ غ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمْ أَكْفَاءٌ) هَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ الْعَجَمُ مُتَكَافِئُونَ غ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ لَهَا كُفُؤٌ أَصْلًا جَازَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا لِلضَّرُورَةِ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَوْ أَتَتْ الْقَاضِيَ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ نَسَبَهَا وَهِيَ أَيْضًا لَا تَعْرِفُهُ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا مِنْ دَنِيءِ الصَّنْعَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرَفِ أَبِيهَا أَمْ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِابْنِ عَالِمٍ أَوْ قَاضٍ؛ لِأَنَّهُمَا كُفْءٌ لِمَنْ سِوَاهُمَا الْمُتَّجَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ يَقْتَضِي فَسَادَ النِّكَاحِ ق (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي نَسَبِ الْعَجَمِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَجَمِيِّ مَنْ فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ بَلْ مَنْ لَيْسَ أَبُوهُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعَاجِمِ الْيَوْمَ مِنْ أَوْلَادِ الْعَرَبِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا الْبِلَادَ تَزَوَّجُوا وَاسْتَوْطَنُوا بِلَادَ الْعَجَمِ وَنَشَأَتْ فِيهَا أَوْلَادُهُمْ (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُعْتَبَرُ النَّسَبُ فِي الْعَجَمِ) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهَا (قَوْلُهُ فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً)