للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيمَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ (قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ) فَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى مَالٍ فَجَاءَ الْعَبْدُ بِالْمَالِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ أَنَسٌ فَأَتَى الْعَبْدُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ غَائِبًا فَقِيَاسٌ قَبَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ أَنْ يَقْبِضَ لَهُ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ (فَإِنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ) وَالدَّيْنُ حَالٌّ (طَالَبَهُ) بِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) أَوْ كَانَ وَرَضِيَ بِدُونِهَا فَيُجْبَرُ الْمَدِينُ عَلَى الْأَدَاءِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ (وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمَهُ ثَمَّ (وَلَا بِالْقِيمَةِ) لِلْحَيْلُولَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَمَا مَرَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ بَلْ لَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ (وَيُخَالِفُ الْغَاصِبَ وَالْمُتْلَفَ) فِيمَا إذَا ظَفِرَ الْمَالِكُ بِهِمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ (فَإِنَّهُمَا يُطَالِبَانِ بِهَا) لَا بِالْمِثْلِ (وَلَا يَلْزَمُ) الدَّائِنَ فِي السَّلَمِ وَغَيْرِهِ (قَبُولُ مَالِهِ) أَيْ لِحَمْلِهِ (مُؤْنَةٌ) إذَا أَحْضَرَهُ الْمَدِينُ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِتَضَرُّرِهِ (لَا) قَبُولَ (غَيْرِهِ بِلَا غَرَضٍ) فَيَلْزَمُهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ كَخَوْفٍ هُنَاكَ وَلَوْ قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ إنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ كَأَنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ كَانَ أَوْضَحَ

(بَابٌ) (الْقَرْضُ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا يُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا (هُوَ قُرْبَةٌ) لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى كَشْفِ كُرْبَةٍ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَدَقَتِهِ مَرَّةً «وَاسْتَقْرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ مِنْ جَمَاعَةٍ» نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مَعَ بَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْوَفَاءَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرَضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ وَأَرْكَانُهُ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ كَالْبَيْعِ وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْأَصْلِ كَوْنُ الْمُقْرِضِ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ شَائِبَةُ التَّبَرُّعِ وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَرْضِ الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَجَازَ فِي غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجَلِ وَاللَّوَازِمُ بَاطِلَةٌ

(وَيُشْتَرَطُ) لَهُ (الْإِيجَابُ) كَالْبَيْعِ (كَأَقْرَضْتُكَ وَأَسْلَفْتُك وَخُذْهُ بِرَدِّ مِثْلِهِ) الْأَخْضَرُ بِمِثْلِهِ (وَمَلَّكْتُكَهُ بِبَدَلِهِ) أَوْ خُذْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِك وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ خُذْهُ بِكَذَا وَنَحْوَهُ كِنَايَةٌ فِيهِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسَلِّمِ بِدُونِ رِضَاهُ لَا يَبْرَأُ فَإِنَّهُ لَوْ بَرِيءَ لَكَانَ الْقَاضِي فِي غَنِيَّةٍ عَنْ قَبْضِهِ لَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إنْ قُلْنَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَبْضُ فِي بَيْعِ الْمُعَيَّنِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْحُصُولُ فَإِنَّهُ الْأَصَحُّ فِي بَيْعِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ فَقِيَاسُ قَبْضِ الْحَاكِمِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (تَنْبِيهٌ) لَوْ أَحْضَرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْبَيْعِ أَوْ أَحْضَرَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبْضُهُ مِنْهُ وَكَذَا الْمَالِكُ فِي الْغَصْبِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ مُؤْنَةُ النَّقْلِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِشْهَادِ فِي السَّلَمِ وَلَوْ لَمْ يَفِ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ خُيِّرَ الْمُسَلِّمُ وَلَوْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ أَوْ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْزَمْهُ لَكِنْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ بِالرَّهْنِ وَسَلَّمَ أَوْ تَكَفَّلَ شَخْصٌ تَبَرُّعًا لَزِمَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ حَيْثُ طُولِبَ بِهِ أَكْثَرَ اهـ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ مَالِهِ مُؤْنَةً) لَوْ بَذَلَهَا الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ قَالَ شَيْخُنَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ جَرَى فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ إذَا أَحْضَرَهُ الدَّائِنُ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ بِالنَّصْبِ وَاقِعٌ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَفَاعِلُ أَحْضَرَ هُوَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَعْلُومُ مِنْ الْمَقَامِ نَحْوُ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا (فَرْعٌ) وَلَوْ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَأَحْضَرَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ قَبُولُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ

[بَابٌ الْقَرْضُ]

(بَابُ الْقَرْضِ) (قَوْلُهُ وَمَصْدَرًا) كَمَا هُنَا عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: ١٧] (قَوْلُهُ الْقُرْبَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَالْقُرْبَةُ مَا كَانَ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا ضَبَطَهُ الْقَفَّالُ (قَوْلُهُ وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ إلَخْ) وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ الصَّدَقَةُ إنَّمَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا حِينَ تَتَصَدَّقُ بِهَا وَهَذَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا مَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَفِي الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «قَرْضُ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَتِهِ» (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ) بَلْ يَحْرُمُ فِي الْأَوَّلِ وَيُكْرَهُ فِي الثَّانِي وَقَدْ يَجِبُ كَالْمُضْطَرِّ وَلَوْ أَقْرَضَ الْمَاءَ لِعَادِمِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرِضُ إلَخْ) وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْغِنَى وَيُخْفِيَ الْفَاقَةَ عِنْدَ الْقَرْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ إخْفَاءُ الْغِنَى وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْأَصْلِ كَوْنُ الْمُقْرِضِ إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُقْتَرِضِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ (قَوْلُهُ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ) النَّاجِزِ بِالْمَالِ

(قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ كَأَقْرَضْتُك) قَالَ أَقْرِضْنِي عَشَرَةً فَقَالَ خُذْهَا مِنْ فُلَانٍ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ قَرْضِهَا فَلَوْ كَانَ فِي يَدِ فُلَانٍ وَدِيعَةٌ أَوْ غَيْرُهَا صَحَّ الْقَرْضُ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنْ خُذْهُ بِكَذَا إلَخْ) أَمَّا خُذْهُ بِمِثْلِهِ فَصَرِيحَةٌ هُنَا إذْ التَّصْرِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>