للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَكُونِي أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ) وَجْهُك (أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ كَانَتْ زِنْجِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤] إذْ الْمُرَادُ بِهِ إحْكَامُ الْخِلْقَةِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالُ فَظَاهِرٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْقَاضِي كَالْقَفَّالِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ قَبِيحَةَ الشَّكْلِ تَطْلُقُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ بَعْدَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ أَضْوَأُ مِنْ الْقَمَرِ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ أَيْ فَتَطْلُقُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.

(وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اُصْبُغْ لِي ثَوْبًا تُؤْجَرْ) عَلَيْهِ (فَقَالَ إنْ كَانَ) لِي (فِيهِ أَجْرٌ) فَأَنْت طَالِقٌ (فَقَالَتْ اسْتَفْتَيْت فُلَانًا الْعَالِمَ) فَأَفْتَانِي بِأَنَّ لَك أَجْرًا فَأَطْلَقَ (فَقَالَ إنْ كَانَ عَالِمًا فَأَنْت طَالِقٌ وَكَانَ النَّاسُ يُسَمُّونَهُ عَالِمًا طَلُقَتْ بِهَذَا) لِأَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَهُ عَالِمًا (لَا بِالثَّوْبِ) أَيْ صَبْغِهِ (لِأَنَّهُ مُبَاحٌ) وَالْمُبَاحُ لَا أَجْرَ فِيهِ وَقِيلَ تَطْلُقُ بِهِ أَيْضًا إنْ قَصَدَ الْبِرَّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ فِي الْمُبَاحِ إذَا قَصَدَ الْبِرَّ (وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ) فِي الرَّوْضَةِ (اعْتِرَاضًا) وَهُوَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي هَذَا لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الطَّاعَةَ كَانَ فِيهِ أَجْرٌ وَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِعْلٌ بِنِيَّةِ الطَّاعَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ (فِيهِ نَظَرٌ) هُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ الْمُوَجَّهَ لَهُ بِأَنَّ الثَّوَابَ بِالْقَصْدِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَهُوَ لَا يَضُرُّ النَّوَوِيُّ فِي مُرَادِهِ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الطَّلَاقِ مِنْ الصَّبْغِ الْمُقَيَّدُ بِنِيَّةِ الطَّاعَةِ لَمْ تُوجَدْ.

(أَوْ) حَلَفَ (لَا قَصَدْتُك لِلْجِمَاعِ) بِأَنْ قَالَ إنْ قَصَدْتُك بِالْجِمَاعِ فَأَنْت طَالِقٌ (فَقَصَدَتْهُ) هِيَ (فَجَامَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ لَا قَصَدْت جِمَاعَك) بِأَنْ قَالَ إنْ قَصَدْت جِمَاعَك فَأَنْت طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ فَجَامَعَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.

(وَإِنْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ كُلٌّ) مِنْهُمَا (أَنَّ إمَامَهُ أَفْضَلُ) مِنْ إمَامِ الْآخَرِ (لَمْ يَحْنَثْ) تَشْبِيهًا بِمَسْأَلَةِ الْغُرَابِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَدْ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْآخَرُ (أَوْ) اخْتَلَفَ (سُنِّيٌّ وَرَافِضِي فِي) أَفْضَلِيَّةِ (أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ) فَحَلَفَ السُّنِّيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ وَعَكَسَ الْآخَرُ (حَنِثَ الرَّافِضِيُّ) لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ (أَوْ) اخْتَلَفَ (سُنِّيٌّ وَمُعْتَزِلِيٌّ فِي أَنَّ الشَّرَّ وَالْخَيْرَ مِنْ اللَّهِ) أَوْ مِنْ الْعَبْدِ فَحَلَفَ السُّنِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ اللَّهِ وَالْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَبْدِ (حَنِثَ الْمُعْتَزِلِيُّ) لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ اللَّهِ.

(وَلَوْ حَلَفَ إنْ بَقِيَ لَك هُنَا مَتَاعٌ وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْت طَالِقٌ فَبَقَّى هَاوُنٌ) بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الْبَيْتَ، وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هَاوُنًا لَهَا (فَقِيلَ لَا تَطْلُقُ) لِلِاسْتِحَالَةِ فَلَيْسَ الْهَاوُنُ مُرَادًا فِي الْيَمِينِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ (وَقِيلَ تَطْلُقُ عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا لِلْيَأْسِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَلَمْ يَحْكِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ غَيْرَهُ انْتَهَى وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الصَّحِيحُ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الْحِنْثُ الْآنَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِانْتِظَارُ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي هَذِهِ بَلْ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْبَحْرِ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِثْلَهُ لَوْ قَالَ لَأُكَسِّرَنَّ هَذَا الْهَاوُنَ عَلَى رَأْسِك.

(وَإِنْ قَالَ مَنْ خَرَجَتْ) مِنْ نِسَائِي (مَكْشُوفَةً لِيُبْصِرَهَا الْأَجَانِبُ فَهِيَ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مَكْشُوفَةً) لِذَلِكَ (طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يُبْصِرُوهَا فَإِنْ قَالَ) مَنْ خَرَجَتْ مَكْشُوفَةً (وَأَبْصَرُوهَا) الْأَفْصَحُ وَأَبْصَرَهَا (الْأَجَانِبُ) فَهِيَ طَالِقٌ (اشْتَرَطَ) لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ (أَنْ يُبْصِرُوهَا) وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ مُعَلَّقٌ عَلَى صِفَتَيْنِ وَلَمْ تُوجَدْ إلَّا إحْدَاهُمَا وَفِي تِلْكَ عَلَى صِفَةٍ فَقَطْ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَنْبَلِيِّ يَقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَالْأَشْعَرِيِّ يَقُولُ إنْ كَانَ عَلَى الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَقَالَ إنْ أَرَادَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ.

(كِتَابُ الرَّجْعَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ وَهِيَ لُغَةً الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ فَبَقِيَ هَاوَنٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْهَاوَنُ الَّذِي يُدَقُّ فِيهِ مُعَرَّبٌ وَكَأَنَّ أَصْلَهُ هَاوُونٌ؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ هَوَاوِينُ مِثْلُ قَانُونٍ وَقَوَانِينَ فَحَذَفُوا مِنْهُ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ اسْتِثْقَالًا وَفَتَحُوا الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فَاعِلٌ بِالضَّمِّ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْهَاوَنُ وَالْهَاوُنَ وَالْهَاوُونُ الَّذِي يُدَقُّ فِيهِ.

(قَوْلُهُ فَقِيلَ لَا تَطْلُقُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ) قَالَ شَيْخُنَا سُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَلَفَ إنْ بَقِيَ لَك هُنَا مَتَاعٌ وَلَمْ أُكَسِّرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْت طَالِقٌ فَبَقِيَ هَاوَنَ هَلْ هُوَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَسَائِلَ الْمُسْتَحِيلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَعَلَّقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَإِنْ صَعِدْت السَّمَاءَ أَوْ عَقْلًا كَإِنْ أَحْيَيْت مَيِّتًا أَمْ شَرْعًا كَإِنْ نُسِخَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَمِنْ الْمُسْتَحِيلِ مَسْأَلَةُ الْهَاوُنِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ فِيهِ

(خَاتِمَةٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ أَوْ عَلَيَّ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ أَوْ عَلَيَّ أَنْ لَا تُسَافِرِي وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ وَفِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مَا يُخَالِفُهُ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَحَنِثَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ يُعَيِّنُهَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلْقَةً حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَفَادَ الْفُرْقَةَ الْمُوجِبَةَ لِلْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى وَلَمْ يَقِفْ السُّبْكِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ تَفَقُّهًا الظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ وَبِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْتَيْت فِيمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ وَلَهُ زَوْجَتَانِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ عَيَّنَ لِإِحْدَاهُمَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً وَالْأُخْرَى طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحِنْثِ وَمَا بَعْدَهُ وَإِنْ تُخُيِّلَ فَرْقٌ فَبَعِيدٌ س وَقَوْلُهُ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَبِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْتَيْت فِيمَنْ حَلَفَ إلَخْ.

[كِتَابُ الرَّجْعَةِ]

[الْبَاب الْأَوَّل أَرْكَان الرَّجْعَة]

(كِتَابُ الرَّجْعَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>