عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ، وَتَأْوِيلُ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنْ كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ، وَلَوْ بِحِصْنٍ) بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى احْتِمَالِ كُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ، وَإِعْدَادِ رِجَالٍ وَنَصْبِ قِتَالٍ وَنَحْوِهَا لِيَرُدَّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ.
(وَ) كَانَ (فِيهِمْ مُطَاعٌ) لِيَحْصُلَ بِهِ قُوَّةُ الشَّوْكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُمْ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَحْصُلُ بِالتَّقَوِّي بِالْحِصْنِ أَخَذَهُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِ أَصْلِهِ أَوَّلًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ، وَعَدَدٌ بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ تَقَوَّى قَوْمٌ قَلِيلٌ بِحِصْنٍ فَوَجْهَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ إنْ كَانَ الْحِصْنُ بِحَافَةِ الطَّرِيقِ وَكَانُوا يَسْتَوْلُونَ بِسَبَبِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَرَاءَ الْحِصْنِ ثَبَتَ لَهُمْ الشَّوْكَةُ وَحُكْمُ الْبُغَاةِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَقَضِيَّةُ أَهْلِ النَّاحِيَةِ، وَإِلَّا فَلَيْسُوا بُغَاةً، وَلَا يُبَالِي بِتَعْطِيلِ عَدَدٍ قَلِيلٍ (وَيَجِبُ قِتَالُهُمْ) فَقَدْ أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ (وَلَيْسُوا فَسَقَةً) كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَفَرَةً؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ (وَلَا اسْمَ الْبَغْيِ ذَمًّا وَالْأَحَادِيثُ) الْوَارِدَةُ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ كَحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثِ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» وَحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» (مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ) عَنْ الطَّاعَةِ (بِلَا تَأْوِيلٍ) أَوْ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ قَطْعًا.
(وَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِمْ الشُّرُوطُ) الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ وَالْخَوَارِجُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ (فَلَيْسَ لَهُمْ حُكْمُهُمْ) أَيْ الْبُغَاةِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطَ حُكْمُهُمْ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ شَوْكَتِهِ.
[فَرْعٌ الْخَوَارِجِ قَوْمٌ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ]
(فَرْعٌ: الْخَوَارِجِ قَوْمٌ) مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ (يُكَفِّرُونَ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً) وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ (فَلَا يُقَاتَلُونَ، وَلَا يُفَسَّقُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا مِنْ الْخَوَارِجِ يَقُولُ لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَيُعَرِّضُ بِتَخْطِئَةِ تَحْكِيمِهِ فَقَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوهُ فِيهَا، وَلَا الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَأُ بِقِتَالِكُمْ نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ.
أَمَّا إذَا قَاتَلُوا، وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ فَيُقَاتَلُونَ، وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْأَصْلِ مَعَ هَذَا، وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُمْ إنْ قَاتَلُوا فَهُمْ فَسَقَةٌ، وَأَصْحَابُ نَهْبٍ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جُزْءٌ فِي الْمِنْهَاجِ، وَأَصْلُهُ وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ (وَإِنْ سَبُّوا الْأَئِمَّةَ وَغَيْرَهُمْ) مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ (عُزِّرُوا إلَّا إنْ عَرَّضُوا) بِالسَّبِّ فَلَا يُعَزَّرُونَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعَزِّرْ الَّذِي عَرَّضَ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يُعَرِّضُ بِالسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ قَتَلُوا أَحَدًا) مِمَّنْ يُكَافِئُهُمْ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ، وَلَوْ بَعَثَ إلَيْهِمْ وَالِيًا فَقَتَلُوهُ (اقْتَصَّ مِنْهُمْ) كَغَيْرِهِمْ (وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ) ، وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ.
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِمْ) أَيْ الْبُغَاةِ (فَنُجِيزُ) نَحْنُ (شَهَادَةَ الْبُغَاةِ وَنُنَفِّذُ قَضَاءَهُمْ فِيمَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاؤُنَا) لِانْتِفَاءِ فِسْقِهِمْ (إنْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَلَمْ يَكُونُوا خِطَابِيَّةً) ، وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ بِهِ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ فَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ عَدَمَ اسْتِحْلَالِهِمْ لِمَا ذُكِرَ بِأَنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ لَهُ أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ امْتَنَعَ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْأُولَى إذَا اسْتَحَلُّوا ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا، وَإِتْلَافِ أَمْوَالِنَا وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ التَّسْوِيَةِ فِي تَنْفِيذِ مَا ذُكِرَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ إلَخْ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّتُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا لَهُمْ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ صِفِّينَ، وَأَهْلَ الْجَمَلِ لَمْ يُنَصِّبُوا لَهُمْ إمَامًا وَحُكْمُ الْبُغَاةِ شَامِلٌ لَهُمْ.
(قَوْلُهُ: وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ إنْ كَانَ الْحِصْنُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) رُبَّمَا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهَا التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ (قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ» إلَخْ) وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ، وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَنْ مَاتَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إمَامُ جَمَاعَةٍ فَإِنَّ مَوْتَتَهُ مَوْتُ جَاهِلِيَّةٍ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ فَيَمُوتُ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(قَوْلُهُ: وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ) كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ لَكِنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ إلَخْ) ، قَالَ الْأَصْحَابُ وَاقْتُفِيَ فِي ذَلِكَ سِيرَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُنَافِقِينَ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ]
(قَوْلُهُ: إنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ لَهُ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِسْقِ فِي مَعْنَاهُ، وَكَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي الْأُولَى إذَا اسْتَحَلُّوا ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ