للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك وَأَلْهَمَك الصَّبْرَ أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ وَمَحَلُّ قَوْلِهِ وَأَخْلَفَ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وَلَدًا أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يُخْلَفُ بَدَلُهُ فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَقُولُ خَلَفَ عَلَيْك أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَفِي) تَعْزِيَةِ (ذِمِّيٍّ بِذِمِّيٍّ) يُعَزِّي (بِنَحْوِ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ مَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ انْتَهَى.

وَفَائِدَةُ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ تَظْهَرُ فِي تَعْزِيَةِ الْحَرْبِيِّ بِالْحَرْبِيِّ فَيُعَزَّى عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْفِدَاءِ دُونَ التَّعْلِيلِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّى، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي، وَعَبَّرَ الْأَصْلُ فِي تَعْزِيَةِ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ بِجَوَازِهَا، وَفِي الْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ نَدْبِهَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالصَّرِيحِ فِي نَدْبِهَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوَافِقُهُ وَذَكَرَ نَحْوًا مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِالذِّمِّيِّ أَوْ بِالْمُسْلِمِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ تَأْلِيفًا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي التَّعْزِيَةِ الدُّعَاءَ لِلْمُصَابِ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَلِيُوَافِقَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا» حَيْثُ بَدَأَ بِالْحَيِّ وَخُولِفَ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ تَقْدِيمًا لِلْمُسْلِمِ

(فَصْلُ يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ) وَلَوْ أَجَانِبَ (وَأَقَارِبُهُ الْأَبَاعِدُ) ، وَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ (أَنْ يَصْنَعُوا لِأَهْلِهِ) الْأَقَارِبِ (طَعَامًا يَكْفِيهِمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) عَقِبَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْمَوْتِ لِخَبَرِ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ؛ وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالتَّعْبِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَاضِحٌ إذَا مَاتَ فِي أَوَائِلِ الْيَوْمِ فَلَوْ مَاتَ فِي آخِرِهِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عَنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَكَرَ فِي الْأَنْوَارِ مَعَ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ مَعَارِفَهُمْ (وَيُلِحُّونَ) الْأَوْلَى حَذْفُ النُّونِ لِيَكُونَ الْمَعْنَى وَأَنْ يُلِحُّوا (عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) مِنْهُ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ (وَيَحْرُمُ صُنْعُهُ لِمَنْ يَنُوحُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ (وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (طَعَامٌ) أَيْ صُنْعُ طَعَامٍ (يَجْمَعُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ) أَخَذَ كَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ الْكَرَاهَةَ مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ «بَعْدَ دَفْنِهِ» ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ وَالْبِدْعَةِ الصَّادِقَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِخَبَرِ «لَا عَقْرَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ

(فَصْلٌ الْبُكَاءُ) عَلَى الْمَيِّتِ (جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ) وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٍ (وَ) لَكِنَّهُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْمَوْتِ (أَوْلَى) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَظَرَ فِيهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.

قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ (وَالنَّدْبُ) ، وَهُوَ كَمَا فِي الْأَصْلِ عَدُّ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِنَحْوِ الصِّيغَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

يَبْدَأُ بِالْمُسْلِمِ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمَاعَةٍ (قَوْلُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) لَيْسَ فِيهِ الدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: ٥] (قَوْلُهُ وَفِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ إلَخْ) وَفِي تَعْزِيَةِ السَّيِّدِ بِرَقِيقِهِ أَعْظَمَ اللَّهُ لَك الْأَجْرَ فِي رَقِيقِك وَأَخْلَفَ عَلَيْك فِي مَالِك وَلَا أَصَابَك نَقْصٌ فِي أَهْلِك وَلَا فِي مَالِك (قَوْلُهُ وَفِي تَعْزِيَةِ ذِمِّيٍّ) أُلْحِقَ بِهِ الْمُعَاهِدُ وَالْمُسْتَأْمِنُ (قَوْلُهُ لَكِنْ أَطْلَقَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَا يُعَزَّى) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي نَدْبُهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُنْدَبَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ تُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا تُسْتَحَبُّ وَيُحْمَلُ النَّقْلَانِ عَلَيْهِ لَكَانَ مُتَّجِهًا ج

[فَصْلُ صنع الطَّعَام لِأَهْلِ الْمَيِّتِ]

(قَوْلُهُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) وَلَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إنْ عَلِمَ الْحَالِفُ إبْرَارَ قَسَمِهِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ فِي سَفَرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الِاسْتِحْبَابُ بِالرُّفْقَةِ (قَوْلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ) لَا خَفَاءَ فِي تَحْرِيمِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَصُنِعَ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ

[فَصْلٌ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ]

(قَوْلُهُ الْبُكَاءُ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَبْكِيَ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْبُكَاءُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>