للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَتْلِهِ (وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا) كَأَسَدٍ، وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ (فَقَتَلَهُ فِي الْحَالِ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ الضَّارِيَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالْآلَةِ (أَوْ) جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ (نَادِرًا) يَعْنِي لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) كَنَظَائِرِهِ (وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ الْمَضِيقَ) الْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِ وَبِكَلَامِ أَصْلِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسَعِ كَمَا فِي السَّبُعِ (لِأَنَّهَا تَنْفِرُ) بِطَبْعِهَا (مِنْ الْآدَمِيِّ) بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسَعِ وَلِهَذَا لَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِمَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ) الْمُغْرَى فِي الْمَضِيقِ وَفَارَقَهُ فِي الْمُتَّسَعِ؛ لِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فِيهِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (وَتَرْكُ الْفِرَارِ النَّافِعِ) مِنْ الْمُغْرَى عَلَيْهِ فِي تَخَلُّصِهِ مِنْ السَّبُعِ (كَتَرْكِ السِّبَاحَةِ) فِيمَا مَرَّ. (وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا) إلَيْهِ (رَجُلًا فَعَقَرَهُ) فَمَاتَ (فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ) بِعَصًا، وَنَحْوِهَا (وَ) ؛ لِأَنَّهُ (يَفْتَرِسُ بِاخْتِيَارِهِ) .

(الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي اجْتِمَاعِ مُبَاشَرَتَيْنِ فَإِنْ ذَفَّفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ مَعًا فَأَكْثَرُ) أَيْ أَسْرَعَا قَتْلَهُ (بِأَنْ) يَعْنِي كَأَنْ (حَزَّ أَحَدُهُمَا رَقَبَتَهُ، وَقَدَّهُ الْآخَرُ نِصْفَيْنِ) أَيْ قِطْعَتَيْنِ، وَهُمَا (عَامِدَانِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا، وَكَذَا إنْ جَرَحَاهُ) مَعًا، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا (جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَنْ) أَجَافَاهُ جَائِفَةً، أَوْ (قَطَعَ أَحَدُهُمَا السَّاعِدَ وَالْآخَرُ الْعَضُدَ مَعًا، أَوْ تَعَاقَبَا وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَتْلِ، وَوَجْهُهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الْقَطْعَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَشَرَتْ سِرَايَتُهُ وَآلَمَهُ وَتَأَثَّرَتْ بِهِ الْأَعْضَاءُ الرَّئِيسَةُ وَانْضَمَّ إلَيْهَا آلَامُ الثَّانِي فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَجَافَ وَاحِدٌ جَائِفَةً وَجَاءَ آخَرُ وَوَسَّعَهَا فَمَاتَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ اخْتِلَافُهُمَا فِي كَثْرَةِ الْأَلَمِ، وَقِلَّتِهِ مَانِعًا مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَتْلِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهُمَا قَاتِلَانِ فَرُبَّ جِرَاحَةٍ لَهَا غَوْرٌ، وَنِكَايَةٌ لَمْ تَحْصُلْ بِجِرَاحَاتٍ، وَقَوْلُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا (فَلَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا وَذَفَّفَ الْآخَرُ فَهُوَ الْقَاتِلُ) فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ (وَيُقْتَصُّ) مِنْ الْجَارِحِ، أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ (بِالْجُرْحِ إنْ تَقَدَّمَ) عَلَى التَّذْفِيفِ سَوَاءٌ أَتَوَقَّعَ الْبُرْءَ مِنْ الْجُرْحِ لَوْ لَمْ يَطْرَأْ التَّذْفِيفُ أَمْ تَيَقَّنَ الْمَوْتُ مِنْهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ فِي الْحَالِ مُسْتَقِرَّةٌ وَتَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ (فَإِنْ تَأَخَّرَ جَارِحُهُ) عَنْ مُذَفِّفِهِ (عُزِّرَ كَالْجَانِي عَلَى الْمَيِّتِ) لِهَتْكِهِ حُرْمَتَهُ وَالْقَاتِلُ هُوَ الْمُذَفِّفُ (وَالتَّذْفِيفُ أَنْ يَذْبَحَهُ، أَوْ يَقُدَّهُ، أَوْ يُنَحِّيَ كُرْسِيًّا تَحْتَ) رِجْلَيْ (مَشْنُوقٍ، أَوْ يُبَيِّنَ الْحَشْوَةَ، أَوْ يُنْهِيَهُ) بِغَيْرِ ذَلِكَ (إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ) ، وَهِيَ حَالَةُ الشَّخْصِ (الْعَادِمِ سَمْعًا وَبَصَرًا وَاخْتِيَارًا) بِأَنْ لَا يَبْقَى مَعَهَا إبْصَارٌ، وَإِدْرَاكٌ، وَنُطْقٌ وَحَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّانِ فَلَا يُؤَثِّرُ بَقَاءُ الضَّرَرَيْنِ فَقَدْ يُقَدُّ الشَّخْصُ وَتُتْرَكُ أَحْشَاؤُهُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَيَتَحَرَّكُ وَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ لَكِنَّهَا لَا تَنْتَظِمُ، وَإِنْ انْتَظَمَتْ فَلَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ رَوِيَّةٍ وَاخْتِيَارٍ (وَلَهُ) فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ (حُكْمُ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَلَا رِدَّتُهُ) ، وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَصِيرُ فِيهَا الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ (وَلَا يَرِثُ قَرِيبَهُ، وَلَا يَرِثُهُ مَنْ أَسْلَمَ) ، أَوْ عَتَقَ (حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَرِيضٍ انْتَهَى فِي النَّزْعِ إلَيْهَا) أَيْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ (وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ) وَبَيْنَ الْمَقْدُودِ (أَنَّ الْمَرِيضَ حِينَئِذٍ لَمْ يُقْطَعْ بِمَوْتِهِ) ، وَقَدْ يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى (بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ) وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ (فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ) وَجَعَلَ فِي الْأَصْلِ هَذَا فَرْقًا ثَانِيًا فَقَالَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إلْقَائِهِ الْمَضِيقَ) يَعْنِي عَدَمَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ عَدَمَ الْمَضِيقِ.

[الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي اجْتِمَاعِ مُبَاشَرَتَيْنِ الْجِنَايَات]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَفَّفَ اثْنَانِ مَعًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَاسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ ثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ، وَفَرَّقُوا بِذَلِكَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ جَمِيعًا لَكِنْ اخْتَارَ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ وَلَدْتُمَا مَعًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاقْتِرَانُ فِي الزَّمَانِ (قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَتْلِ) إذْ لَا تُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا إسْقَاطُهُ فَأُضِيفَ إلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَاتٍ وَآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً إلَخْ) ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ جَلَدَهُ فِي الْقَذْفِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ فَإِنَّا نُوَزِّعُ الدِّيَةَ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَلْدِ مُشَاهَدٌ يُعْلَمُ بِهِ التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ، وَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ إتْلَافٍ حَتَّى لَوْ أَلْقَى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي طَعَامٍ اسْتَوَيَا فِي الْغُرْمِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَلْقَاهُ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ (قَوْلُهُ: فَلَوْ جُرِحَ أَحَدُهُمَا وَذُفِّفَ الْآخَرُ إلَخْ) أَيْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَالَةِ الْمَعِيَّةِ حَيْثُ قَالَ الشَّيْخَانِ فِيهَا إنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ الْمُذَفَّفَ هُوَ الْقَاتِلُ بِإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا مَا يَقْتَضِيهِ وَالْمَذْكُورُ فِي صُورَةِ التَّرْتِيبِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى صُورَةِ الْمَعِيَّةِ فَإِنَّ التَّذْفِيفَ يَقْطَعُ مَا قَبْلَهُ، وَيَمْنَعُ تَأْثِيرَ مَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا، وَقَعَا مَعًا. اهـ.

يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّذْفِيفَ إذَا قَطَعَ تَأْثِيرَ مَا قَبْلَهُ فَلَأَنْ يَقْطَعَ تَأْثِيرَ مَا قَارَنَهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْقَاتِلُ) شَمِلَ مَا إذَا عَلِمْنَا تَأْثِيرَ الْجُرْحِ أَوْ شَكَكْنَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إنَّمَا يَقْتُلُ بِالسَّرَيَانِ وَالتَّذْفِيفُ يَمْنَعُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَرِيضٍ انْتَهَى فِي النَّزْعِ إلَيْهَا) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ فِي النَّزْعِ، وَقَدْ شَخَصَ بَصَرُهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ أَوْ عَلَاهُ الْمَاءُ، وَلَا يَحْسُنُ الْعَوْمُ فَكَمْ مِنْ مُذَفَّفٍ تُشَقُّ الْجُيُوبُ عَلَيْهِ، وَيُشَدُّ حَنَكُهُ، وَيُسَوَّى مِنْهُ ثُمَّ تَثُورُ قُوَّتُهُ وَتَعُودُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ بِالْمَوْتِ عَلَى ثِقَةٍ مَا لَمْ يَخْمَدْ وَتُقْبَضْ نَفْسُهُ فَإِذَا ضَرَبَ ضَارِبٌ رَقَبَتَهُ، وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فَنَجْعَلُهُ قَاتِلًا عَلَى التَّحْقِيقِ قَالَهُ الْإِمَامُ (تَنْبِيهٌ) يَتَفَرَّعُ مِنْ الْمَرِيضِ فَرْعٌ حَسَنٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فَقُتِلَ قِصَاصًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَلَا شَيْءَ بَعْدَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي الَّذِي قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا اتِّفَاقًا، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَنْ الْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ صَحَّ عَفْوُهُ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الَّذِي قُطِعَ حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ، وَلَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>