للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَذْهَبُهُ (بَلْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ) كَمَا يُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ قَوْلُهُ بِمَوْتِهِ لَبَطَلَ الْإِجْمَاعُ بِمَوْتِ الْمُجْمِعِينَ وَلَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً؛ وَلِأَنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ فَلَوْ مَنَعْنَا تَقْلِيدَ الْمَاضِينَ لَتَرَكْنَا النَّاسَ حَيَارَى (فَعَلَى هَذَا مَنْ عَرَفَ مَذْهَبَ مُجْتَهِدٍ وَتَبَحَّرَ فِيهِ) لَكِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ (جَازَ) لَهُ (أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَلْيُضِفْ) مَا يُفْتِي بِهِ (إلَى) صَاحِبِ (الْمَذْهَبِ) وَفِي نُسْخَةٍ وَلْيُضِفْ الْمَذْهَبَ إلَى صَاحِبِهِ (إنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يُفْتَى عَلَيْهِ) فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُفْتِي عَلَيْهِ كَفَاهُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ (وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ) أَنْ يُفْتِيَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ مَا لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ مَذْهَبَهُ لِقُصُورِ فَهْمِهِ وَقِلَّةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَظَانِّ الْمَسْأَلَةِ وَاخْتِلَافِ نُصُوصِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا وَالرَّاجِحِ (إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْمَذْهَبِ) عِلْمًا قَطْعِيًّا كَوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَتَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ وَصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بِلَا صَوْمٍ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ

(فَرْعٌ لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ) ، وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ لِضِيقِ الْوَقْتِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ (وَلَوْ حَدَثَتْ وَاقِعَةٌ) لِمُجْتَهِدٍ (قَدْ اجْتَهَدَ فِيهَا) قُبِلَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (إعَادَتُهُ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِيهَا كَنَظِيرِهِ فِي الْقِبْلَةِ (إنْ نَسِيَ الدَّلِيلَ) الْأَوَّلَ (أَوْ تَجَدَّدَ) لَهُ (مُشَكِّكٌ) وَفِي نُسْخَةٍ مُشْكِلٌ أَيْ مَا قَدْ يُوجِبُ رُجُوعَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ ذَلِكَ

(فَرْعٌ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ إمَامِ إمَّا عَوَامُّ فَتَقْلِيدُهُمْ)

أَيْ فَجَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ لَهُ (مُفَرَّعٌ عَلَى) جَوَازِ (تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ مَرَّ) جَوَازُهُ (وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ فَلَا يُقَلِّدُونَ) غَيْرَهُمْ حَتَّى الْإِمَامِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَوْا عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي الِاجْتِهَادِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدِلَّةِ وَوَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ وَإِذَا خَالَفَ أَحْيَانَا لَمْ يُبَالُوا بِالْمُخَالَفَةِ وَعَبَّرَ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُمْ اجْتِهَادَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ خَالَفَهُ أَحْيَانَا وَ) أَمَّا (مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ وَقَفَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ) فِي الْأَبْوَابِ (وَتَمَكَّنَ مِنْ قِيَاسِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ) عَلَيْهِ (فَلَيْسَ بِمُقَلَّدٍ فِي نَفْسِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ لِمَنْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْعَوَامّ (بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ وَمُقَلِّدٍ لِلْإِمَامِ (فَإِنْ نَصَّ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ أُلْحِقَ) الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْقِيَاسِ (بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ (غَيْرِ الْمَنْصُوصِ) بِالْمَنْصُوصِ (وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْعِلَّةَ وَيَقِيسَ) بِوَاسِطَتِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ (وَلْيَقُلْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ (هَذَا قِيَاسُ مَذْهَبِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (لَا قَوْلِهِ) وَمِنْهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا فِيهِ عَقِبَ قَوْلِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ نَصُّ إمَامِهِ فِي) مَسْأَلَتَيْنِ (مُشْتَبِهَتَيْنِ فَلَهُ التَّخْرِيجُ) لِلْحُكْمِ (مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى) وَبِالْعَكْسِ

(فَرْعٌ لِلْمُفْتِي أَنْ يُغَلِّظَ) فِي الْجَوَابِ (لِلزَّجْرِ) وَالتَّهْدِيدِ فِي مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ (مُتَأَوِّلًا كَمَا إذَا سَأَلَهُ مَنْ لَهُ عَبْدٌ عَنْ قَتْلِهِ) لَهُ (وَخَشِيَ مِنْهُ) الْمُفْتِي (أَنْ يَقْتُلَهُ جَازَ أَنْ يَقُولَ) لَهُ (إنْ قَتَلْته قَتَلْنَاك مُتَأَوِّلًا) لَهُ (لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» ) ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ لَهُ مَعَانٍ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ فَقَالَ لَا تَوْبَةَ لَهُ وَسَأَلَهُ آخَرُ فَقَالَ لَهُ تَوْبَةٌ ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَرَأَيْت فِي عَيْنَيْهِ إرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْته، وَأُمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَتَلَ وَجَاءَ يَطْلُبُ الْمَخْرَجَ فَلَمْ أُقَنِّطْهُ (وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إطْلَاقِهِ) الْجَوَابُ (مَفْسَدَةٌ) وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ (وَاخْتِلَافُ الْمُفْتِيَيْنِ) فِي حَقِّ الْمُسْتَفْتِي (كَالْمُجْتَهِدِينَ) أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَلِّدُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلِلْمُسْتَفْتِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا يَسْأَلُونَ عُلَمَاءَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَيَعْمَلُونَ بِقَوْلِ مَنْ سَأَلُوهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ

(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْمُسْتَفْتِي) وَآدَابِ الْمُفْتِي (يَجِبُ) عَلَى الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ حُدُوثِ مَسْأَلَتِهِ (أَنْ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ) فَيَعْتَمِدُ مُسَطَّرَاتِ مَذْهَبِهِ مِنْ نُصُوصِ إمَامِهِ وَتَفْرِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَذْهَبِهِ وَمَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا إنْ وُجِدَ فِي الْمَنْقُولِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَثِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ وَالْفَتْوَى بِهِ وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مُمَهَّدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْفَتْوَى بِهِ وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ الْمَذْكُورِ إذْ يَبْعُدُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ تَقَعَ مَسْأَلَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَلَا مُنْدَرِجَةً تَحْتَ ضَابِطٍ

[فَرْعٌ لَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ]

(قَوْلُهُ بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَوَرَاءَهُ نَوْعٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْمُنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ التَّخْرِيجِ، وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظُ مَذْهَبِ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا لَكِنْ قَصَّرَ عَنْ أُولَئِكَ فِي الْحِفْظِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَنَحْوِهَا وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى آخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَلَا تَبْلُغُ فَتَاوِيهِمْ فَتَاوَى أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالثَّانِي قَائِمٌ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ لَكِنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ فَيُعْتَمَدُ فَتْوَاهُ نَقْلًا وَإِلْحَاقًا بِمَعْنَى الْمَنْقُولِ إنْ كَانَ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَثِيرِ فِكْرٍ وَإِلَّا فَلَا قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ لَهُمَا حِفْظُ مُعْظَمِ الْمَذْهَبِ وَلَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكْتَفِيَ فِي نَقْلِهِ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تَخْيِيرِ الْمُسْتَفْتِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُفْتِيِّينَ وَاضِحٌ

(قَوْلُهُ فَلَهُ التَّخْرِيجُ مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى) وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالْمُخَرَّجِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ فَإِنْ كَانَ فَلَا وَيُقَرَّرُ النَّصَّانِ عَلَى حَالِهِمَا

(قَوْلُهُ وَكَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) وَكَمَا إذَا «سُئِلَ أَفِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ قَتْلٌ فَوَاسِعٌ أَنْ يَقُولَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَاقْتُلُوهُ»

<<  <  ج: ص:  >  >>