للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِّي فَفَعَلَ (وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الطُّعُومِ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ الْمُمَلِّكِ، وَالْقَبْضُ مِنْ الْمُتَمَلِّكِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَلِهَذَا كَانُوا يَبْعَثُونَهُمَا عَلَى أَيْدِي الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا تَصِحُّ عُقُودُهُمْ فَإِنْ قُلْت هَذَا كَانَ إبَاحَةً لَا هَدِيَّةً قُلْنَا لَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا تَصَرَّفُوا فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

(فَرْعٌ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا) أَيْ الصِّيغَةِ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَهَبْتُكَ هَذَا (وَلَا تَوْقِيتُهَا) كَ وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ (وَفِي الرُّقْبَى كَلَامٌ) يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (يَأْتِي، وَيَقْبَلُ) الْهِبَةَ (لِلصَّغِيرِ) وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَبُولِ (وَلِيُّهُ) وَلَوْ وَصِيًّا، أَوْ قَيِّمًا (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) لَهُ (انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ) وَأَثِمَا لِتَرْكِهِمَا الْحَظَّ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا وَذِكْرُ الْقَيِّمِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَ) يَقْبَلُهَا (لِلْعَبْدِ) أَيْ عَبْدِ غَيْرِ الْوَاهِبِ أَوْ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ (نَفْسُهُ فَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلِيُّ غَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ) وَإِنْ كَانَ أَبًا، أَوْ جَدًّا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ (وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ، أَوْ قَبُولُ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) لَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ مِنْ " الشَّخْصَيْنِ " (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ مَا وُهِبَ لَهُمَا (وَجْهَانِ) كَالْبَيْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ فِيهِمَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَالْفَرْقُ - بِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ - غَيْرُ قَادِحٍ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَدِحًا (وَإِنْ غَرَسَ) شَجَرًا (وَقَالَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ غَرْسِهِ (أَغْرِسُهُ لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَوْ قَالَ جَعَلْته صَارَ مِلْكَهُ) لِأَنَّ هِبَتَهُ لَهُ لَا تَقْتَضِي قَبُولًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَهُ لِبَالِغٍ، هَذَا (إنْ اكْتَفَيْنَا بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَالِدِ) فَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ " صَارَ مِلْكَهُ إلَى آخِرِهِ " كَانَ أَوْلَى بِطَرِيقَتِهِ (وَلَوْ عَمِلَ دَعْوَةً) بِالْفَتْحِ أَفْصَحُ مِنْ الضَّمِّ أَيْ وَلِيمَةً (لِخِتَانِ وَلَدِهِ فَالْهَدَايَا) الْمَحْمُولَةُ إلَيْهِ (الْمُطْلَقَةُ) عَنْ ذِكْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

- قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ عَنْ قَصْدِهِ - مِلْكٌ (لِلْأَبِ) لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اتَّخَذَ الدَّعْوَةَ، وَالْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ (وَلَيْسَ الظَّرْفُ) الْمَبْعُوثُ فِيهِ الْهَدِيَّةُ (هَدِيَّةً إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ) فِي مِثْلِهَا (بِرَدِّهِ بَلْ) هُوَ (أَمَانَةٌ) فِي يَدِ الْمُهْدَى إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ لِلْعُرْفِ (فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ وَ) اقْتَضَتْ (الْعَادَةُ ذَلِكَ) أَيْ تَنَاوُلَهُ مِنْهُ (فَعَارِيَّةٌ) فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ مِنْهُ وَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِهَا وَقَيَّدَهُ فِي بَابِهَا بِمَا إذَا لَمْ يُقَابَلْ بِعِوَضٍ، وَإِلَّا فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَتَقَدَّمَ ثَمَّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا هُنَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَقْتَضِ الْعَادَةُ تَنَاوُلَهُ مِنْهُ (وَجَبَ تَفْرِيغُهُ) سَوَاءٌ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَنَاوُلِهِ أَمْ اضْطَرَبَتْ وَهَذَا الثَّانِي مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ مُتَدَافِعٌ أَمَّا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضًا لِلْعُرْفِ وَمَحَلُّهُ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ رَدِّهِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَصْلُ فَإِنْ اضْطَرَبَتْ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ أَمَانَةٌ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ هَدِيَّةً قَالَ الْقَاضِي يُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّهُ حَالًا لِخَبَرِ اسْتَبِقُوا الْهَدَايَا بِرَدِّ الظُّرُوفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ حَسَنٌ وَفِي جَوَازِ حَبْسِهِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ نَظَرٌ.

إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُهْدِي بِهِ وَهَلْ يَكُونُ إبْقَاؤُهَا فِيهِ مَعَ إمْكَانِ تَفْرِيغِهِ عَلَى الْعَادَةِ مُضَمِّنًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا، أَوْ لَا فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا.

(فَائِدَةٌ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْكُلُ هَدِيَّةً حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِلشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ يَعْنِي الْمَسْمُومَةَ بِخَيْبَرَ» وَهُوَ أَصْلٌ لِمَا يَعْتَادُهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْتَحِقَ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ (وَالْكِتَابُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) كَاتِبُهُ (الْجَوَابَ) أَيْ كِتَابَتَهُ (عَلَى ظَهْرِ هَدِيَّةٍ) لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَإِنْ اشْتَرَطَهَا كَأَنْ كَتَبَ فِيهِ: وَاكْتُبْ الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهِ (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لَك) بِهَا (عِمَامَةً أَوْ اُدْخُلْ بِهَا الْحَمَّامَ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَعَيَّنَتْ) لِذَلِكَ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الدَّافِعِ هَذَا (إنْ قَصَدَ سَتْرَ رَأْسِهِ) بِالْعِمَامَةِ (وَتَنْظِيفَهُ) بِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ لِمَا رَأَى بِهِ مِنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَشَعَثِ الْبَدَنِ وَوَسَخِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَسُّطِ الْمُعْتَادِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَرْعٌ تَعْلِيقُ الْهِبَةُ]

قَوْلُهُ: وَيَقْبَلُ لِلصَّغِيرِ وَلِيُّهُ) لَوْ قَالَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَهَبْتهَا مِنْك بَطَلَ الْإِيجَابُ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ كَالْبَيْعِ) أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ وَرَجَّحَهَا أَبُو شُكَيْلٍ وَفَرَّقَ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْإِحْيَاءِ وَصَوَّبَهَا الدَّمِيرِيِّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُهْدِيَ لَهُ سَمْنٌ وَأَقِطٌ وَكَبْشٌ فَقَبِلَ السَّمْنَ، وَالْأَقِطَ وَرَدَّ الْكَبْشَ» .

قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُنَازَعُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ؛ إذْ كَلَامُنَا فِي الْهِبَةِ وَمَا فِي الْحَدِيثِ فِي الْهَدِيَّةِ وَهِيَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَبُولٌ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا إذَا انْضَمَّ إلَى الْهَدِيَّةِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا هِبَةً أَيْضًا كَأَنْ قَصَدَ مَعَ الْبَعْثِ التَّوَدُّدَ مَثَلًا وَوُجِدَ فِيهَا إيجَابٌ وَقَبُولٌ. كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ: لِخِتَانِ وَلَدِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ، أَوْ السَّفِيهِ (قَوْلُهُ: فَالْهَدَايَا الْمُطْلَقَةُ لِلْأَبِ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَصْلُحُ لِلصَّبِيِّ خَاصَّةً فَلَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ وَاقْتَضَتْ ذَلِكَ فَعَارِيَّةٌ) وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْ كَالسُّبْكِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ هِبَةً لِلْمَنْفَعَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ قَالَ كَمَا أَنَّ هِبَةَ مَنَافِعِ الدَّارِ لَا تَكُونُ إعَارَةً لِلدَّارِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَيُفَرَّق بِأَنَّهُ هُنَاكَ وُهِبَ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ هُنَا ش (قَوْلُهُ: فَالْوَجْهُ أَمَانَةٌ) هَذَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا اطَّرَدَتْ بِهِ وَمَا إذَا اضْطَرَبَتْ فِيهِ وَلِهَذَا عَبَّرَ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِيهِ اطِّرَادُهَا بِقَوْلِهِ، وَالْعَادَةُ ذَلِكَ أَيْ لَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ) وَالرَّاجِحُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ رَدُّهُ) وَجَّهَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ الْكِتَابَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا فِيهِ فَهُوَ كَطَبَقِ الْهَدِيَّةِ قَالَ وَكَذَا لَوْ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَاءُ وَرْدٍ فِي قَارُورَةٍ فَحُكْمُ الْقَارُورَةِ كَالْكِتَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ كِتَابَةُ الْجَوَابِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَاتِبُ وَاجِبَ الطَّاعَةِ كَالْأَبِ، وَالْحَاكِمِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ سِرٌّ لَمْ يَجُزْ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَاعَتُهُ وَإِطْلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الصَّحِيفَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَوْ قَرَأَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ وَأَلْقَاهُ، أَوْ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ لَمْ تَحِلَّ أَيْضًا قِرَاءَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سِرٌّ لِلْكَاتِبِ لَا يَجِبُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>