أَخَذَ كُلٌّ) مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ (وَاحِدًا) مِنْ الْوَلَدَيْنِ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ (بِالتَّرَاضِي) أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِنْفَاقِ بِالشَّرِكَةِ (فَذَاكَ) وَاضِحٌ (وَإِنْ تَنَازَعَا أُجِيبَ طَالِبُ الِاشْتِرَاكِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُعَيِّنُ الْقَاضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
(وَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدِيهِ، وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ) أَيْ ابْنِهِ (نَفَقَةُ أَبِي أَبِيهِ) لِاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالِابْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ وَهَذَا مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ كَلَامًا رَدَّهُ عَلَيْهِ وَرَدَّ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثَ الْأَصْلِ بِكَلَامٍ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ.
(فَصْلٌ: لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ) ، وَلَوْ حُرًّا (عَلَى رَقِيقٍ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بَلْ نَفَقَةُ الْحُرِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَلَا) تَجِبُ (لِرَقِيقٍ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا عَلَى قَرِيبِهِ، وَلَوْ حُرًّا بَلْ نَفَقَةُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ وَنَفَقَةُ الْمُكَاتَبِ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ (نَعَمْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ كَسْبِهِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ (أَوْ) عَلَى وَلَدِهِ مِنْ (زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَ سَيِّدِهِ (لَا) وَلَدَهُ مِنْ (مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا) الْوَلَدُ لِتُكَاتِبَهُ عَلَيْهَا وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ.
[فَرْعٌ احْتَاجَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ لِلنَّفَقَةِ]
(فَرْعٌ: لَوْ احْتَاجَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ) وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ (لَزِمَ قَرِيبَهُ نِصْفُ نَفَقَتِهِ) بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ (أَوْ عَكْسِهِ) بِأَنْ احْتَاجَ قَرِيبُ الْمُبَعَّضِ (لَزِمَهُ لِلْقَرِيبِ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ كَذَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَ بِهِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ نَصَّ فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِ، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمْعٍ.
[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحَضَانَةِ]
بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجَنْبُ فَإِنَّ الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ إلَيْهِ الْمَحْضُونَ وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً كَذَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا (وَهِيَ حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ) بِأُمُورِهِ (وَتَرْبِيَتُهُ) بِمَا يُصْلِحُهُ، وَهِيَ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ.
(وَ) لَكِنَّ (النِّسَاءَ بِهَا أَلْيَقُ) ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ، وَفِي الْخَبَرِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَتْ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي فَقَالَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
(وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِهِ ثَمَّ عَلَى الْأَبِ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكَفَالَةِ كَالنَّفَقَةِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
(وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَاضِنِ، وَالْمَحْضُونُ الطِّفْلُ) أَوْ نَحْوُهُ (مَعَ أَبَوَيْهِ) مَا دَامَا (فِي النِّكَاحِ) يَقُومَانِ بِكِفَايَتِهِ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ، وَالْأُمُّ بِالْحَضَانَةِ إنْ كَانَ عَلَى دِينِهَا (فَإِنْ افْتَرَقَا) بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ (وَأَرَادَتْهُ الْأُمُّ فَهِيَ أَوْلَى) لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا.
وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِلْأُنْثَى مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا (بِشُرُوطٍ) أَحَدُهَا (أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً) إنْ كَانَ الطِّفْلُ مُسْلِمًا (فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفْتِنُهُ فِي دِينِهِ وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ فَمَالَ إلَى الْأُمِّ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَعَدَلَ إلَى أَبِيهِ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَبَ الْمُسْلِمَ وَقَصْدُهُ بِتَخْيِيرِهِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ أُمِّهِ وَبِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ لِأُمِّهِ حَقٌّ لَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ، وَلَمَا دَعَا، وَإِسْلَامُ الطِّفْلِ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَانَ أَسْلَمَ أَبُوهُ) أَوْ جَدَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ تَحْضُنْهُ الْكَافِرَةُ (فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ) الْآتِي (ثُمَّ) إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَضَنَهُ (الْمُسْلِمُونَ) وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا بَحَثَهُ الْأَصْلُ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ كَلَامًا رَدَّهُ) عِبَارَتُهُ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْأَبَوَيْنِ الْمُحْتَاجَيْنِ ابْنٌ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا وَلِلِابْنِ ابْنٌ مُوسِرٌ فَعَلَى ابْنِ الِابْنِ بَاقِي نَفَقَتِهِمَا فَإِنْ أَنْفَقَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَا عَلَيْهِمَا بِالشَّرِكَةِ أَوْ يُخَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا رَجَعْنَا إلَى اخْتِيَارِ الْأَبَوَيْنِ إنْ اسْتَوَتْ نَفَقَتُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ اخْتَصَّ أَكْثَرُهُمَا نَفَقَةً بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ يَسَارًا وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ فِي الصُّورَتَيْنِ مُخْتَلِفَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا بَلْ يَنْبَغِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُقَالَ تَخْتَصُّ الْأُمُّ بِالِابْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَإِذَا اخْتَصَّتْ بِهِ تَعَيَّنَ الْأَبُ لِإِنْفَاقِ ابْنِ الِابْنِ. اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا بَحَثَهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُمْ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ الْأُمِّ إنَّمَا ذُكِرَ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الِابْنِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْأُمِّ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُهُمْ بِعَجْزِ النِّسْوَةِ فَامْتَنَعَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَبِ ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي حَقِّ ابْنِ الِابْنِ فَكَمَا تُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ تُقَدَّمُ الْجَدَّةُ عَلَى الْجَدِّ فِي حَقِّ وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيَنْدَفِعُ تَعَيُّنُ الْأَبِ لِإِنْفَاقِ ابْنِ الِابْنِ. اهـ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُمْ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ الْأُمِّ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ مَجِيءِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الِابْنِ بِهَا وَيَكُونُ الْأَبُ فِي نَفَقَةِ ابْنِ الِابْنِ لِتَأَخُّرِهِ فَانْتَقَلَ الْمُتَأَخِّرُ، وَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ سَلَّمْنَا لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ إلَى آخِرِهِ كَلَامٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ فَهُوَ مَطْرُوحٌ
[فَصْلٌ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ وَلَوْ حُرًّا عَلَى رَقِيقٍ]
(الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْحَضَانَةِ)
(قَوْلُهُ: وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِهِ) ثُمَّ عَلَى الْأَبِ إذَا احْتَاجَ الْوَلَدُ فِي الْحَضَانَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ إلَى خِدْمَةٍ وَمِثْلُهُ يُخْدَمُ قَامَ الْأَبُ بِاسْتِئْجَارِ خَادِمٍ أَوْ شِرَائِهِ عَلَى حَسَبِ عُرْفِ الْبَلَدِ وَعُرْفِ أَمْثَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْأُمَّ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ أَنْ تُلْزَمَ بِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا يَخْدُمُ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ هِيَ الْحِفْظُ وَالْمُرَاعَاةُ وَتَرْبِيَةُ الْوَلَدِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِهِ.