للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ» وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُخَاطَبَ بِالتَّرْكِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا جَاءَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْخَبَرِ أَمَّا مَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا لَهُ فَضِيلَةٌ (وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» (ثُمَّ بَاقِيهَا) وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الْبَقِيَّةِ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ (ثُمَّ شَعْبَانُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَبَعْضَهُ فِي آخَرٍ وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي أَكْثَرِ مِنْ سَنَةٍ وَقِيلَ إنَّمَا خَصَّهُ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي سَنَتِهِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ فَكَيْفَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ قُلْنَا لَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ تَعْرِضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِهِ الصَّوْمَ فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ

(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْمَرْأَةِ صَوْمُ نَفْلٍ مُطْلَقٍ (بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ) لَهَا (حَاضِرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ» وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِنَفْلٍ فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ صَوْمُهَا حَرَامًا كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي جَوَازُهُ فَإِنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ تَمَتَّعَ وَفَسَدَ الصَّوْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً لِأَنَّهُ يَهَابُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ انْتَهَى وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أَمَّا صَوْمُهَا فِي غِيبَةِ زَوْجِهَا عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ وَلِزَوَالِ مَعْنَى النَّهْيِ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ رِضَاهُ جَازَ صَوْمُهَا وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَالْأَمَةُ الْمُبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا كَالزَّوْجَةِ وَغَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَأُخْتِهِ وَالْعَبْدَانِ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ لِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.

(كِتَابُ الِاعْتِكَافِ)

هُوَ لُغَةً اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا قَالَ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَقَالَ {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: ١٣٨] وَقَالَ {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: ٥٢] يُقَالُ اعْتَكَفَ وَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا يُحْسَبُ وَعُكُوفًا وَعَكَفْتُهُ يَغْتَارُ بِكَسْرِ الْكَافِ يُحْسَبُ لَا غَيْرُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا كَرَجَعَ وَرَجَعَتْهُ وَنَقَصَ وَنَقَصَتْهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ شَوَّالٍ» قَالَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥]

(وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ

[أَرْكَان الِاعْتِكَاف]

(وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ وَأَقَلُّهُ أَكْثَرُ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ) فِي الصَّلَاةِ (بِسُكُونٍ أَوْ تَرَدُّدٍ) لِإِشْعَارِ لَفْظِهِ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئَ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ (وَلَا يُجْزِئُ الْعُبُورُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا (فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا) مُطْلَقًا (أَجْزَأَهُ لَحْظَةً) لِحُصُولِ اسْمُهُ بِهَا (لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَوْمٌ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ اعْتِكَافٌ دُونَ يَوْمٍ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ ضَمِّ اللَّيْلَةِ إلَى الْيَوْمِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِمْلَاءِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّصِّ (وَيُسْتَحَبُّ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ) لِيَنَالَ فَضِيلَتَهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَتِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ) وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ أَفْضَلَ الْحُرُمِ رَجَبٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا بَعْدَ الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ ثُمَّ بَاقِيهَا) قَالَ شَيْخُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ الْحَجَّةُ ثُمَّ الْقَعْدَةُ وَبَعْدَ ذَلِكَ شَعْبَانُ كَاتِبُهُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ رَجَبٍ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ لَا لِقِصَرِ زَمَنِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهَا إذَا عَلِمْت إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]

(قَوْلُهُ وَشَرْعًا اللُّبْثُ إلَخْ) وَفِي الشَّرْعِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ صَاحٍ كَافٍّ نَفْسَهُ عَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ مَعَ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ

(قَوْلُهُ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا قَطْعُ الْهَوَى عَنْ الرَّفْعِ وَالثَّبَاتِ هُنَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ شَيْخُنَا وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ مِقْدَارُ سُبْحَانَ اللَّهِ لَفْظًا

<<  <  ج: ص:  >  >>