للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحْوُهُمَا (رُدَّتْ) إلَيْهِمْ لِعُمُومِ خَبَرِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (وَيَعْصِي مُتْلِفُهَا إلَّا إنْ أَظْهَرُوهَا) فَلَا يَعْصِي (وَلَا يَضْمَنُ) ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرُوهَا (وَتُرَاقُ) الْخَمْرُ (عَلَى مُسْلِمٍ اشْتَرَاهَا) مِنْهُمْ وَقَبَضَهَا (وَلَا ثَمَنَ) عَلَيْهِ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَعُدُّوا بِإِخْرَاجِهَا إلَيْهِ (وَلَوْ قَضَى) الذِّمِّيُّ (دَيْنَ مُسْلِمٍ) كَانَ لَهُ عَلَيْهِ (بِثَمَنِ خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ (حَرُمَ) عَلَى الْمُسْلِمِ (قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ) أَنَّهُ ثَمَنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي عَقِيدَتِهِ (وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ) وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ مَعَ الْعِلْمِ مَمْنُوعٌ (وَيَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ) لِعِصْمَتِهِمْ (لَا) إنْ كَانُوا مُقِيمِينَ (فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ إذْ لَا يَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهَا بِخِلَافِ دَارِنَا (إلَّا أَنَّ شَرَطَ) الذَّبَّ عَنْهُمْ ثَمَّ (أَوْ انْفَرَدُوا عَنَّا) بِبَلَدٍ (مُجَاوِرِينَ لَنَا) فَيَلْزَمُنَا ذَلِكَ لِالْتِزَامِنَا إيَّاهُ فِي الْأُولَى، وَإِنْ كُرِهَ لَنَا طَلَبُهُ وَإِلْحَاقًا لَهُمْ فِي الثَّانِيَةِ بِبَاقِي الْعِصْمَةِ (وَإِنْ عُقِدَتْ) أَيْ الذِّمَّةُ (بِشَرْطِ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ بِنَا) مِمَّنْ يَقْصِدُهُمْ بِسُوءٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (وَهُمْ مُجَاوِرُونَ لَنَا) أَوْ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ وَهُمْ مَعَنَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ مَنْ لَا يَمُرُّ بِنَا أَوْ مَنْ يَمُرُّ بِنَا وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا (وَيَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ هَادَنَّاهُ غُرْمُ) بَدَلِ (مَا أَتْلَفْنَاهُ) أَيْ نَحْنُ وَمَنْ هَادَنَّاهُ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْعِصْمَةِ فِي الْجَانِبَيْنِ نَعَمْ إنْ كَانَ إتْلَافُ مَنْ هَادَنَّاهُ بَعْدَ نَقْضِهِ الْعَهْدَ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَإِنْ لَمْ نَذُبَّ عَنْهُمْ فَلَا جِزْيَةَ) لِمُدَّةِ عَدَمِ الذَّبِّ كَمَا لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الدَّارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا (فَإِنْ ظَفِرَ الْإِمَامُ بِمَنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ) وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ (رُدَّ) عَلَيْهِمْ (مَا وَجَدُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَضْمَنُونَ) أَيْ الْمُغِيرُونَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ (مَا أَتْلَفُوهُ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ) كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا مَالَنَا

(فَصْلٌ وَيُمْنَعُونَ) وُجُوبًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي (مِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ) لِلرُّهْبَانِ وَنَحْوِهَا (فِي بَلَدٍ أَحْدَثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ (أَوْ) بَلَدٍ (أَسْلَمَ أَهْلُهُ) كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا صَارَ مِلْكًا لَنَا؛ وَلِأَنَّ إحْدَاثَهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا يَجُوزُ فِي دَارِنَا (فَإِنْ وُجِدَتْ كَنَائِسُ) مَثَلًا فِيمَا ذَكَرَ (جُهِلَ أَصْلُهَا بَقِيَتْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ) أَوْ بَرِيَّةٍ (فَاتَّصَلَ بِهَا عُمْرَانُ مَا أَحْدَثَ) مِنَّا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُلِمَ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بِنَائِهَا (وَإِنْ شَرَطَ حِدَاثَهَا) فِي بِلَادِنَا (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ (وَمَنْ بَنَى مِنْهُمْ دَارًا لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ لَمْ يُمْنَعُ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ (فَإِنْ خَصَّصَ الذِّمِّيِّينَ) بِهَا (فَوَجْهَانِ) أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا انْفَرَدُوا بِسُكْنَاهَا صَارَتْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ إلَخْ) الَّذِي فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مَا إذَا بَاعَ كَافِرٌ كَافِرًا أَوْ أَقْرَضَهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ بِإِخْبَارِ قَاضِيهِمْ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِمْ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ) فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَدْفَعَ عَنْهُمْ الْحَرْبِيِّينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُلْحَقُ بِالْكَفِّ وَالدَّفْعِ أَمْرٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ اسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (فَائِدَةٌ)

فِي ذِكْرِ شُرُوطِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى نَصَارَى الشَّامِ إنَّكُمْ لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمْ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَذَرَارِيّنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لَا نُحْدِثَ فِي مَدِينَتِنَا وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا قَلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ وَلَا نُجَدِّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا نُحْيِي مَا مَاتَ مِنْهَا فِي خُطَطِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَمْنَعُ كَنَائِسَنَا أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَأَنْ يَنْزِلَ مَنْ مَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ نُطْعِمُهُمْ وَلَا نُؤَدِّي فِي كَنَائِسِنَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا وَلَا نَكْتُمُ عَيْنًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا نُعَلِّمُ أَوْلَادَنَا الْقُرْآنَ وَلَا نُظْهِرُ شِرْكًا وَلَا دَعْوًا إلَيْهِ وَلَا نَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِنَا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا أَرَادُوهُ وَأَنْ نُوَقِّرَ الْمُسْلِمِينَ وَنَقُومَ لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِنَا إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ وَلَا نَتَشَبَّهُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ فِي قَلَنْسُوَةٍ وَلَا عِمَامَةٍ وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِمْ وَلَا نَكْتَنِي بِكُنَاهُمْ وَلَا نَرْكَبُ السُّرُوجَ وَلَا نَتَقَلَّدُ وَلَا نَتَّخِذُ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ وَلَا نَحْمِلُهُ مَعَنَا وَلَا نَنْقُشُ عَلَى خَوَاتِمِنَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا نَبِيعُ الْخَمْرَ، وَإِنْ نَجُزُّ مَقَامَ رُؤْسِنَا وَأَنْ نَلْتَزِمَ دِينًا حَيْثُمَا كُنَّا وَأَنْ نَشُدَّ زَنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا وَأَنْ لَا نُظْهِرَ الصَّلِيبَ عَلَى كَنَائِسِنَا وَأَنْ لَا نُظْهِرَ صُلْبَانَنَا وَلَا كُتُبَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْوَاقِهِمْ وَأَنْ لَا نَضْرِبَ نَاقُوسًا فِي كَنَائِسِنَا إلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي كَنَائِسِنَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ أَمْوَاتِنَا وَلَا نُظْهِرَ النِّيرَانَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقِهِمْ وَلَا نُجَاوِزُهُمْ بِمَوْتَانَا وَلَا نَتَّخِذُ مِنْ الرَّقِيقِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَطَّلِعُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا نَضْرِبُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَطْنَا لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَانَ فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطْنَا لَكُمْ فَقَدْ ضَمِنَا عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لَا ذِمَّةَ لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ لَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ (قَوْلُهُ وَهُمْ غَيْرُ مُجَاوِرِينَ لَنَا) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا يُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ هُنَا

[فَصْلٌ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ فِي بَلَدٍ أَحْدَثَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ]

(قَوْلُهُ وَيُمْنَعُونَ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يُنْزِلَهُ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَنْزِلًا يُظْهِرُ فِيهِ جَمَاعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا نَاقُوسًا إنَّمَا يُصَالِحُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي بَلَدِهِمْ الَّتِي وُجِدُوا فِيهَا فَفَتَحَهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَيَجُوزُ أَنْ يَدَعَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا بَلَدًا لَا يُظْهِرُونَ هَذَا فِيهِ فَيُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِلَا جَمَاعَاتٍ تَرْفَعُ أَصْوَاتَهُمْ وَلَا نَوَاقِيسَ وَلَا يَكْفِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَوْمَعَةٍ) لِلرُّهْبَانِ وَنَحْوِهَا كَدَيْرٍ وَبَيْتِ نَارِ مَجُوسٍ وَمُجْتَمَعِ صَلَوَاتٍ (قَوْلُهُ، وَإِنْ شُرِطَ إحْدَاثُهَا) أَوْ إبْقَاؤُهَا (قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْخَادِمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>