كَكَنَائِسِهِمْ (وَلَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا عَنْوَةً نَقَضْنَا كَنَائِسَهُمْ الْقَائِمَةَ) ؛ لِأَنَّا قَدْ مَلَكْنَاهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيَمْتَنِعُ إبْقَاؤُهَا كَنَائِسَ (وَلَمْ نُبْقِ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ) لِذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ بِنَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(أَوْ) فَتَحْنَاهُ (صُلْحًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا) وَيَسْكُنُونَهَا بِخَرَاجٍ (وَشَرَطُوا إبْقَاءَ الْكَنَائِسِ) مَثَلًا لَهُمْ (أَوْ إحْدَاثَهَا مُكِّنُوا) مِنْ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْهَا وَقَوْلُهُ مُكِّنُوا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَرِدُ الشَّرْعُ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ عَدَمُ الْمَنْعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطُوا ذَلِكَ (مُنِعُوا وَلَوْ مِنْ إبْقَائِهَا) كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِهَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَلَدَ كُلَّهُ صَارَ لَنَا (أَوْ) فَتَحْنَاهُ صُلْحًا (عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ) يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا (لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ الْكَنَائِسِ) وَنَحْوِهَا (وَلَوْ أَحْدَثُوهَا) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ (وَلَا) يُمْنَعُونَ (مِنْ إظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَأَعْيَادِهِمْ وَضَرْبٍ نَاقُوسِهِمْ (وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّجَسُّسِ) أَيْ إيوَاءِ الْجَاسُوسِ (وَتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ) وَسَائِرِ مَا نَتَضَرَّرُ بِهِ فِي دِيَارِهِمْ (وَلَهُمْ عِمَارَةُ) أَيْ تَرْمِيمُ (كَنَائِسَ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا) إذَا اسْتُهْدِمَتْ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ فَتُرَمَّمُ بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ مِنْ جَدِيدٍ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجِبُ إخْفَاؤُهَا فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ (لَا إحْدَاثُهَا؛ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ) الْمَذْكُورَةَ (لَيْسَتْ بِإِحْدَاثٍ) هَذَا التَّعْلِيلُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْأَخِيرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى الْمُرَادُ.
(فَلَوْ انْهَدَمَتْ) أَيْ الْكَنَائِسُ الْمُبْقَاةُ وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ (أَعَادُوهَا) هَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ (وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْسِيعُهَا) ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى (وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ النَّاقُوسِ) هَذَا سَيَأْتِي وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ ضَرْبِ النَّاقُوسِ فِي الْكَنِيسَةِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْخَمْرِ (لَا فِي بَلَدِهِمْ) قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْإِمَامُ: وَأَمَّا نَاوُوسُ الْمَجُوسِ فَلَسْت أَرَى فِيهِ مَا يُوجِبُ الْمَنْعَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحُوطٌ وَبُيُوتٌ تُجَمِّعُ فِيهَا الْمَجُوسُ جِيَفَهُمْ وَلَيْسَ كَالْبَيْعِ وَالْكَنَائِسِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالشِّعَارِ
(وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ) وُجُوبًا مِنْ (تَطْوِيلِ بِنَائِهِ عَلَى) بِنَاءِ (جَارِهِ الْمُسْلِمِ) ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ لِخَبَرٍ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا هَذَا (إنْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِقَرْيَةٍ) فَإِنْ انْفَرَدُوا بِهَا جَازَ تَطْوِيلُ بِنَائِهِمْ وَالتَّقْيِيدُ بِهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ إذْ لَا جَارَ لَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ فَلَوْ قَالَ لَا إنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ بَلْ وَأَخَّرَهُ إلَى قَوْلِهِ لَا عَالٍ كَانَ أَوْلَى (وَإِنْ رَضِيَ الْجَارُ) بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِحَقِّ الدَّيْنِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ) عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْوَافِي تَفَقُّهًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْلَى أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى بَلَدٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَفِيهِ كَنَائِسُهُمْ ثُمَّ اسْتَعَادَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ مَا كَانَ لَهَا قَبْلَ اسْتِيلَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا لَنَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ أَوْ إحْدَاثَهَا مُكِّنُوا) تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ قَالَ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ وَحَمَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ الْكَنَائِسِ) لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ الْكَنَائِسِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ وَاللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ دُخُولَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ بِالْإِذْنِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا صُورَةٌ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَقَرُّونَ عَلَيْهَا جَازَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِزَالَةِ وَقَوْلُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَهْدَمَتْ) بِفَتْحِ التَّاءِ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَشْرَفَ الْجِدَارُ عَلَى الْخَرَابِ فَلَا وَجْهَ إلَّا أَنْ يَبْنُوا جِدَارًا دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى جِدَارٍ ثَالِثٍ وَرَابِعٍ فَيَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْكَنِيسَةِ شَيْءٌ اهـ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُدُرِ آلَةٌ قَدِيمَةٌ وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ فِي تَوْجِيهِ الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ مِنْ اتِّسَاعِ الْخُطَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إعَادَةُ الْكَنِيسَةِ وَالزِّيَادَةُ تَابِعَةٌ لَهَا فَكَأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ مَا لَوْ أَعَادُوهَا بِغَيْرِ تِلْكَ الْآلَةِ الْقَدِيمَةِ. اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْإِعَادَةِ بِغَيْرِ الْآلَةِ الْقَدِيمَةِ قَالَ شَيْخُنَا: أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ (قَوْلُهُ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهَا إنْ صَارَتْ دِرَاسَةً مُسْتَطْرَقَةً كَالْمَوَاتِ مُنِعُوا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ، وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا جُدْرَانٌ وَآثَارٌ أُعِيدَتْ
(قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ تَطْوِيلِ بِنَائِهِ إلَخْ) لَوْ رَفَعَ بِنَاءَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَخِّرْ هَدْمَ بِنَائِهِ بِذَلِكَ فَلَوْ تَأَخَّرَ فَلَمْ يَنْقُضْ حَتَّى رَفَعَ الْمُسْلِمُ بِنَاءَهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَمَا لَوْ رَفَعَ بِنَاءَهُ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِنَقْضِهِ فَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ هَلْ يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي حَاشِيَةِ الْكِفَايَةِ: يَظْهَرُ تَخْرِيجُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ مَا بَنَاهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ وَكَذَا بَيْعُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِهَا وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ د وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ لَا وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَمَّا لَوْ مَلَكَهُ الْمُسْلِمُ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِنَقْضِهِ فَلَا يُهْدَمُ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِ الْهَدْمِ حِينَئِذٍ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ كَانَ جَارُهُ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمِلْكِ وَالْجِيرَانُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ وَالْأَمَامُ وَالْخَلْفُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جِيرَانُهُ الْمُقَابِلُونَ لَهُ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ أَوْ يُطْلَقُ عَلَى الَّذِي يُلَاصِقُ دَارِهِ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَقَوْلُهُ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي جِيرَانِهِ الْمُقَابِلُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (تَنْبِيهٌ)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَأَفْتَيْت بِمَنْعِ بُرُوزِ الذِّمِّيِّ فِي الْبَحْرِ وَالْخُلْجَانِ وَنَحْوِهَا عَلَى جَارٍ لَهُ مُسْلِمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّعْظِيمِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ الْإِعْلَاءِ بَلْ قِيَاسُ مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبِنَاءِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبُرُوزِ فِيهِ بُعْدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute