للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا حَرَّمَ نَظَرَ ذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ «بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَبِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ جَابِرٍ «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» قَالَ جَابِرٌ فَخَطَبْت جَارِيَةً وَكُنْت أَتَخْبَأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهَا لَرُبَّمَا أَعْرَضَ عَنْ مَنْظُورِهِ فَيُؤْذِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رَغْبَةٍ فِي نِكَاحِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ قَبْلَهَا وَالْمُرَادُ بِخَطَبَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ رَغِبَ فِي خِطْبَتِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إذَا أَلْقَى فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتِحْبَابَ النَّظَرِ بِمَنْ يَرْجُو رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ.

(وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ الْآخَرُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِئَلَّا يَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ سَوَاءٌ (خَشِيَ فِتْنَةً أَمْ لَا) لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ (وَلَهُ تَكْرِيرُهُ) أَيْ النَّظَرِ إلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِتَبَيُّنِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ نِكَاحِهِ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ وَفِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ أَرَيْتُك ثَلَاثَ لَيَالٍ (فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) نَظَرُهُ إلَيْهَا (بَعَثَ امْرَأَةً) أَوْ نَحْوَهَا (تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ «وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا» وَتَقْيِيدُ الْبَعْثِ بِعَدَمِ التَّيَسُّرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ هُوَ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ (فَإِنْ لَمْ يُعْجِبْهُ سَكَتَ) وَلَا يَقُلْ لَا أُرِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ وَحُكْمُ عَدَمِ تَيَسُّرِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَالَهُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُهُمَا كَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ

(فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ) فِيمَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ نَفْسِهِ (مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَعَكْسِهِ جَائِزٌ) وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الثَّانِيَةِ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَمَا مَرَّ وَقِيسَ بِهَا الْأُولَى وَهَذَا مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَبْلَ الْخِطْبَةِ إنْ رَجَا الْإِجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا نَظَرُ غَيْرِ عَوْرَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى نِكَاحِهِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّغْبَةِ الْعَزْمُ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ إلَخْ) وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا» وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ «الْمُغِيرَةِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا» (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ فَتَحْصُلُ النَّفْرَةُ وَيَفُوتُ الْغَرَضُ أَوْ تَخْجَلُ عِنْدَ نَظَرِهِ فَتَتَغَيَّرُ الْبَشَرَةُ عَنْ صِفَتِهَا الْخُلُقِيَّةِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ) ضَبْطُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهُ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ) هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ بِهَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ د (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بَعَثَ امْرَأَةً إلَخْ) لَوْ كَانَ لِلْمَخْطُوبَةِ أَخٌ أَمْرَدُ أَوْ وَلَدٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهَا وَسَمَاعُ وَصْفِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَهَلْ لَهُ رُؤْيَةُ وَلَدِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ حَاجَةً أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ جَازَ لَهُ النَّظَرُ وَإِلَّا فَلَا ع، وَقَوْلُهُ وَظَهَرَ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا س (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا تَصِفُ لَهُ مِنْ بَدَنِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ كَصَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ يَبْعَثُ امْرَأَةً تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حِكَايَةَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَرَامٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهَا» وَمِنْ هُنَا حَرُمَ نَظَرُ الذِّمِّيَّةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَتُهَا لِلْكُفَّارِ اهـ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ يَقْتَضِي جَوَازَ حِكَايَةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ كَتَبَ عَلَيْهِ ضَعِيفٌ

[فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ]

(قَوْلُهُ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَوْرَتُهَا مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ كُبْرَى وَصُغْرَى فَالْكُبْرَى مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالصُّغْرَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَجِبُ سَتْرُ الْكُبْرَى فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالْخَنَاثَى وَالصُّغْرَى عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ قَرُبْنَ وَكَذَا عَنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ وَالصِّبْيَانِ وَهَلْ عَوْرَتُهَا مَعَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْمَجْبُوبِ الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا مَعَ زِيَادَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ إلَخْ) الْمُرَاهِقَةُ كَالْمُرَاهِقِ فِي حُكْمِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هَذَا الِاتِّفَاقَ وَأَقْرَأَهُ وَعَلَّلَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ مَرْدُودٌ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ مَعْنَى كَوْنِ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَنْظُورَ إلَيْهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُهَا الِاحْتِجَابُ مِنْ الْمَجْنُونِ قَطْعًا وَقَوْلُهُمْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>