للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(تَخَلُّصِهِ) بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْته فِيهِ فَقَصَّرَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ لَمْ يُمْكِنْهُ (صُدِّقَ الْوَلِيُّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ (وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ) مِنْهُ (قَبْلَ التَّقْصِيرِ) فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْمَاءِ وَالنَّارِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّارِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ لِصِغَرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا أَوْ لِضَعْفِهِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ السِّبَاحَةَ أَوْ لِعِظَمِ الْمَاءِ وَالنَّارِ أَوْ لِنَحْوِهَا، أَوْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ وَمَاتَ بِذَلِكَ (فَالْقِصَاصُ) وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُهْلِكٌ لِمِثْلِهِ (وَإِنْ مَنَعَهُ السِّبَاحَةَ عَارِضُ رِيحٍ، وَنَحْوُهُ) كَمَوْجٍ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) فَفِيهِ دِيَتُهُ (وَيُهْدَرُ مَقْصُودُ تَرْكِ الْعَصَبِ) عَلَى مَحَلِّ الْفَصْدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَ مَوْثُوقٌ بِهِ، وَالْفَصْدَ لَيْسَ مُهْلِكًا (بِخِلَافِ مَجْرُوحٍ) جِرَاحَةً مُهْلِكَةً (تَرَكَ الْعِلَاجَ) لَهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُهْدَرُ بَلْ عَلَى جَارِحِهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْجِرَاحَةِ مُهْلِكٌ؛ وَلِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عَالَجَ.

[فَرْعٌ رَبَطَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ غَالِبًا فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ]

(فَرْعٌ:) لَوْ (رَبَطَهُ) وَطَرَحَهُ (عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ) إلَيْهِ (غَالِبًا فَزَادَ) وَمَاتَ بِهِ (فَعَمْدٌ، أَوْ لَا يَزِيدُ) فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ (فَخَطَأٌ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ) ، وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) وَفِي مَعْنَى الرَّبْطِ عَدَمُ إمْكَانِ الِانْتِقَالِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ، أَوْ طُفُولِيَّةٍ.

(الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ، أَوْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ يَسْقُطُ) أَثَرُهُ (مَعَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ) فِيمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا، وَلَوْ عُدْوَانًا فَرَدَى غَيْرُهُ فِيهَا آخَرَ (عَلَى الْمُرْدِي لَا الْحَافِرِ، وَ) فِيمَا لَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ عَلَى (الْقَاتِلِ لَا الْمُمْسِكِ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ نَعَمْ إنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهَا كَأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا، أَوْ سَبُعًا ضَارِيًا تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ (بَلْ يَأْثَمُ) كُلٌّ مِنْ الْحَافِرِ عُدْوَانًا وَالْمُمْسِكِ (وَيُعَزَّرُ) ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ (وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ) وَالْمُمْسِكُ لِلْقَتْلِ (بِالْإِمْسَاكِ) أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُمْسِكُ إذَا مَاتَ (وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيُقْتَصُّ مِنْ وَاضِعِ الصَّبِيِّ عَلَى الْهَدَفِ بَعْدَ الرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي وَالرَّامِي كَالْحَافِرِ (لَا قَبْلَهُ) فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَلْ مِنْ الرَّامِي؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.

(وَالسَّبَبُ قَدْ يَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةَ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ) عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ أَخْرَجَهَا عَنْ كَوْنِهَا عُدْوَانًا مَعَ تَوْلِيدِهِ لَهَا (كَالشُّهُودِ) الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى شَخْصٍ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَقَتَلَهُ الْقَاضِي، أَوْ الْجَلَّادُ، أَوْ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ، أَوْ وَكِيلُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ زُورٌ وَاعْتَرَفُوا بِاَلَّتِي عَمَدِ وَالْعِلْمِ (فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ) دُونَ الْقَاضِي وَالْوَلِيِّ وَنَائِبِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الْإِثْمُ أَيْ يَمْنَعُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَقَدْ تَغْلِبُهُ الْمُبَاشَرَةُ كَمَنْ أَلْقَى رَجُلًا فِي) مَاءٍ (مُغْرِقٍ) لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ (فَقَدَّهُ آخَرُ بِالسَّيْفِ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَادِّ) الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي، وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ، أَوْ كَانَ الْقَادُّ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ (فَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ) ، وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَاءِ (فَعَلَى الْمُلْقِي) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَلْقَاهُ فِي مَهْلَكٍ، وَقَدْ هَلَكَ بِسَبَبِ إلْقَائِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي هَلَكَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ لُجَّةَ الْبَحْرِ مَعْدِنُ الْحُوتِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَتَّفَهُ، وَحَذَفَهُ لِلسَّبُعِ وَفَارَقَ صُورَةَ الْقَدِّ السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْقَدَّ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ يَفْعَلُ بِرَأْيِهِ فَقَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَالْحُوتُ يَلْتَقِمُ بِطَبْعِهِ كَالسَّبُعِ الضَّارِي فَهُوَ كَالْآلَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُغْرِقِ قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (كَمَنْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فِيهَا سِكِّينٌ مَنْصُوبٌ، أَوْ حَيَّةٌ، أَوْ مَجْنُونٌ) ، وَكَانَا (ضَارِيَيْنِ) فَمَاتَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْقِي؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ وَالسِّكِّينُ وَالضَّارِي كَالْآلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الطَّارِئُ فِعْلَ مَنْ لَهُ رَوِيَّةٌ (وَغَيْرُ الضَّارِي كَالْعَاقِلِ) فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ الْمُرْدِي (فَإِنْ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ) أَيْ غَيْرُ مُغْرِقٍ (أَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَوَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ فَجَرَحَتْهُ) ، وَ (لَمْ يَعْلَمْهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْحُوتِ وَالسِّكِّينِ (الدَّافِعُ) وَمَاتَ بِذَلِكَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) فَفِيهِ دِيَتُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَ الْهَلَاكِ فَإِنْ عَلِمَهُ فَعَمْدٌ (وَقَدْ يَعْتَدِلَانِ) أَيْ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ (كَالْإِكْرَاهِ) عَلَى الْقَتْلِ، وَلَوْ مِنْ السُّلْطَانِ (فَيُقْتَصُّ مِنْ الْآمِرِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

[فَصْلٌ أَلْقَى رَجُلًا لَا صَبِيًّا فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ أَوْ نَارٍ وَأَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ فَقَصَّرَ]

قَوْلُهُ: فَرْعٌ رَبَطَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ غَالِبًا إلَخْ) امْرَأَةٌ أَوْقَدَتْ نَارًا لِحَاجَتِهَا فَتَرَكَتْ وَلَدَهَا قَرِيبًا مِنْهَا وَذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ فَقَرُبَ الطِّفْلُ مِنْ النَّارِ فَاحْتَرَقَ عُضْوٌ مِنْهُ قَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ إنْ تَرَكَتْهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ النَّارِ لَا تُعَدُّ فِيهِ مُفَرِّطَةً فِي الْعَادَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا أَوْ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِحَيْثُ تُعَدُّ مُفَرِّطَةً فِي الْعَادَةِ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَظِيرٍ لِهَذَا.

[الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي اجْتِمَاعِ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ فِي الْجِنَايَات]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَقْوَى مِنْ الشَّرْطِ) وَلِخَبَرِ «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَجَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ» أَيْ تَأْدِيبًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ إسْنَادَهُ، وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُمْسِكِ الْمَرْأَةِ لِلزِّنَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَهُ (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلَهُ عُرْفًا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ شَيْخُنَا: وَلِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ هُنَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ مَعَهَا مَثَلًا فَلَا يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ) أَيْ فِي الْأَغْلَبِ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي، وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ إلَخْ) أَيْ لِصَيْرُورَةِ إلْقَائِهِ بِطُرُوِّ مُبَاشَرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ شَرْطًا مَحْضًا قَالَ شَيْخُنَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ بِقَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهَا كَأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ مَجْنُونًا أَوْ سَبُعًا ضَارِبًا تَعَلَّقَ بِالْمُمْسِكِ، وَإِنْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْمُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ الْتَقَمَهُ حُوتٌ فَعَلَى الْمُلْقِي الْقِصَاصُ) لَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ لَقَطَهُ الْحُوتُ سَالِمًا لَمْ يَلْزَمْ الْمُقْتَصَّ قِصَاصٌ وَتَلْزَمُهُ دِيَةُ الْمُلْقِي فِي مَالِهِ قَالَ شَيْخُنَا دِيَةُ عَمْدٍ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُغْرِقِ) قَيْدٌ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى غَيْرُ الْمُغْرِقِ فِيهَا مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ) وَلَوْ مِنْ السُّلْطَانِ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْقَطْعِ وَالْجُرْحِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَفِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْإِكْرَاهَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَتَبَ كِتَابًا بِقَتْلِ رَجُلٍ وَالْكَاتِبُ ذُو قُوَّةٍ وَلَا يَخْلُصُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا بِامْتِثَالِهِ فَكَاللَّفْظِ (قَوْلُهُ: فَيُقْتَصُّ مِنْ الْآمِرِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>