فِي الْأَعْصَارِ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالتَّصْوِيرُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا إذَا أَتْلَفَتْهُ أَوْ أَعْطَتْهُ غَيْرَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ تَسْقُطْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْكُلِّ أَوْ بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ؟ . فِيهِ نَظَرٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكَلَتْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ رُجِّحَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهَا وَخَرَجَ بِرِضَاهَا مَا لَوْ أَكَلَتْ بِدُونِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا فَلَيْسَ لَهُ تَكْلِيفُهَا الْأَكْلَ مَعَهُ مَعَ التَّمْلِيكِ وَدُونِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ، وَقَوْلُهُمْ مَعَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِقَيْدٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَشِيدَةً وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا (فَلَا) تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ وَالزَّوْجُ مُتَطَوِّعٌ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَأَفْتَى بِسُقُوطِهَا بِهِ قَالَ، وَمَا قَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَمَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ، أَمَّا الْأَمَةُ إذَا أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِذَلِكَ دُونَ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمَحْجُورَةِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّشِيدَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْبَالِغَةِ (فَرْعٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ قَالَتْ قَصَدْت التَّبَرُّعَ فَقَالَ بَلْ قَصَدْت أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّفَقَةِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْهَدِيَّةَ، وَقَالَ بَلْ قَصَدْت الْمَهْرَ (وَلَوْ اعْتَاضَتْ) عَنْ نَفَقَتِهَا (دَقِيقَ الْحَبِّ وَالْوَاجِبِ) خَبْزُهُ أَوْ سَوِيقُهُ (لَمْ يَجُزْ لِلرِّبَا) بِخِلَافِ مَا لَوْ اعْتَاضَتْ عَنْهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثِيَابًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ كَانَ الْوَاجِبُ بُرًّا أَوْ عَكْسَهُ أَوْ نَحْوَهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي الذِّمَّةِ لِمُعَيَّنٍ، وَلَا رِبَا فَجَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا كَدَيْنِ الْقَرْضِ وَاحْتَرَزُوا بِالِاسْتِقْرَارِ عَنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ وَبِكَوْنِهِ لِمُعَيَّنٍ عَنْ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ.
وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا لِاحْتِمَالِ سُقُوطِهَا بِنُشُوزٍ وَفِيهِ وَقْعَةٌ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ فِيمَا مَرَّ لِلرِّبَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ رِفْقًا، وَمُسَامَحَةً فَالْمُخْتَارُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً لَا مُعَاوَضَةً وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِهِ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ صِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالْأَكْلِ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ (وَلَوْ قَبَضَتْ نَفَقَةَ أَيَّامٍ مَلَكَتْهَا) كَالْأُجْرَةِ وَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ (فَإِنْ مَاتَتْ) أَوْ مَاتَ (أَوْ بَانَتْ) بَعْدَ قَبْضِهَا نَفَقَةَ أَيَّامٍ فِي أَثْنَائِهَا (اسْتَرَدَّ نَفَقَةَ مَا بَعْدَ يَوْمِ الْمَوْتِ وَالْإِبَانَةِ) كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ (وَيَسْتَرِدُّ) فِيمَا إذَا قَبَضَتْ نَفَقَةَ يَوْمٍ أَوْ كِسْوَةَ فَصْلٍ (بِالنُّشُوزِ) مِنْهَا أَيْ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ (فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ) أَوْ اللَّيْلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (نَفَقَتَهُ أَوْ) فِي أَثْنَاءِ (الْفَصْلِ كِسْوَتَهُ) زَجْرًا لَهَا، وَالتَّصْرِيحُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا بِمَوْتِهَا وَطَلَاقِهَا) ، وَمَوْتِهِ وَبَيْنُونَتِهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَا يَسْتَرِدُّ ذَلِكَ لِوُجُوبِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ الْفَصْلِ فَلَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ) تَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (لِكُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كِسْوَةٌ وَتُجَدَّدُ صَيْفًا وَشِتَاءً) كِسْوَةُ الصَّيْفِ لِلصَّيْفِ وَكِسْوَةُ الشِّتَاءِ لِلشِّتَاءِ فَتُعْطَاهَا أَوَّلَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْعُرْفِ فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ أَحَدِهِمَا فَحُكْمُهُ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي (لَا مَا يَدُومُ) سَنَةً فَأَكْثَرَ (كَالْفُرُشِ وَالْجُبَّةِ) أَيْ جُبَّةِ الْخَزِّ أَوْ الْإِبْرَيْسَمِ (فَتُجَدَّدُ إنْ تَلِفَتْ) الْأَوْلَى إنْ تَلِفَ (أَوْ تَطَرَّى) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ تُصْلَحُ (لِلْعَادَةِ فَلَوْ تَلِفَتْ الْكِسْوَةُ) أَوْ تَمَزَّقَتْ فِي يَدِهَا (قَبْلَ) مُضِيِّ (الْفَصْلِ) وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهَا (أَوْ بَقِيَتْ بَعْدَهُ) لِرِفْقِهَا بِهَا (لَمْ يُؤَثِّرْ) فِي الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ فِي الْأَخِيرَةِ لِتَجَدُّدِ الْمُوجِبِ، وَهُوَ الْفَصْلُ الثَّانِي (وَيَجِبُ) لَهَا فِي الْكِسْوَةِ (الثِّيَابُ لَا قِيمَتُهَا وَعَلَيْهِ خِيَاطَتُهَا وَلَهَا بَيْعُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهَا (وَلَوْ لَبِسَتْ دُونَهَا مَنَعَهَا) ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَجَمُّلِهَا (وَتَثْبُتُ الْكِسْوَةُ فِي الذِّمَّةِ) إذَا مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ وَلَمْ يَكْسُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي مُسْقِطَاتِ النَّفَقَةِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا (لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْجُمْلَةِ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ إلَخْ) لَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ مَعَهُ أَقَلَّ مِنْ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لَهَا بِمِقْدَارٍ مَقْصُودٍ فِي الْعَادَةِ فَالْقِيَاسُ أَنَّ إذْنَ الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ إلَّا أَنْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْمُضَايَقَةِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ مُتَطَوِّعٌ) فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا أَكَلَتْهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَعْلَهُ عِوَضًا عَنْ نَفَقَتِهَا، وَمَثِيلُ نَفَقَتِهَا فِيمَا ذُكِرَ كِسْوَتُهَا (قَوْلُهُ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ وَبِهِ أَفْتَيْتُ. (قَوْلُهُ: لَا بِمَوْتِهَا وَطَلَاقِهَا إلَخْ) سَكَتَ عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهَا قَالَ فِي الْقُوتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا حَصَلَ الْمَوْتُ أَوْ الْبَيْنُونَةُ بِالطَّلَاقِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ قَبْلَ قَبْضِهَا الْكِسْوَةَ هَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ وَقَعَ بَعْدَ قَبْضِهَا فَتَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ أَوْ تَسْتَحِقُّ بِالْقِسْطِ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْبَالِسِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقِسْطِ وَتُوَزَّعُ عَلَى أَيَّامِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثُمَّ يُطَلِّقَ فِي يَوْمِهِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ كِسْوَةُ فَصْلٍ كَامِلٍ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْقَمُولِيُّ عَنْ شَرْحِ الْإِيضَاحِ لِلصَّيْمَرِيِّ، وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ كِسْوَةً كَامِلَةً، وَفِي تَجْرِبَةِ الرُّويَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَلَكِنَّ عَمَلَ الْحُكَّامِ عَلَى التَّقْسِيطِ. اهـ. وَجَرَى الْأَذْرَعِيُّ عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ مَا يَقْتَضِي الْكُلَّ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي مُسْقِطَاتِ النَّفَقَةِ]
(الْبَابُ الثَّانِي فِي مُسْقِطَاتِ النَّفَقَةِ) (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ إلَخْ) وَلِأَنَّ الْمَهْرَ لَمَّا وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ بِالنُّشُوزِ فَلَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ تَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute