للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمَّنُهُ آمِنًا مِنَّا بِدَارِ الْحَرْبِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْأَمَانِ فِي غَيْرِهَا وَبِغَيْرِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِغَيْرِ الَّذِي أَسَرَهُ أَمَّا الَّذِي أَسَرَهُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُهُ إذَا كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ الْإِمَامُ كَمَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَتَرْجِيحُ صِحَّةِ الْأَمَانِ لِلْكَافِرَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهَا جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبَعِيَّةُ أَمَانِهِمَا لِأَمَانِ السَّيِّدِ وَالرَّجُلِ لَا تَمْنَعُ إفْرَادَ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَهُمَا وَبِالْمَحْصُورِينَ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ.

وَقَدْ بَيَّنَ ضَابِطَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ) الْأَمَانُ (إلَى إبْطَالِ الْجِهَادِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ شِعَارُ الدِّينِ وَالدَّعْوَةِ الْقَهْرِيَّةِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بِأَمَانِ الْآحَادِ انْسِدَادُهُ (وَ) لَا إلَى (تَكْلِيفِ حَمْلِ الزَّادِ) وَالْعَلَفِ فَلَوْ آمَنَّا آحَادًا عَلَى طَرِيقِ الْغُزَاةِ وَاحْتَجْنَا إلَى حَمْلِ ذَلِكَ وَلَوْلَا الْأَمَانُ لَأَخَذْنَا أَطْعِمَةَ الْكُفَّارِ لَمْ يَصِحَّ الْأَمَانُ لِلضَّرَرِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ.

(فَلَوْ أَمَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنَّا وَاحِدًا أَوْ (جَمَاعَةً) مِنْهُمْ (وَتَعَاقَبُوا صَحَّ أَمَانُهُمْ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ) وَإِنْ أَمَّنُوهُمْ مَعًا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ.

(وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ وَإِنْ تَعَدَّدَ (كُنْت أَمَّنْته مَقْبُولٌ قَبْلَ الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَمَانَهُ قَبْلَ الْأَسْرِ لَا بَعْدَهُ نَعَمْ إنْ شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ لَمْ يُشَارِكَاهُ فِي الْأَخْبَارِ قُبِلَ مِنْهُ.

(وَلَا يُنْقَضُ أَمَانُ مُسْلِمٍ لِكَافِرِ إلَّا لِخَوْفِ خِيَانَةٍ) سَيَأْتِي مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ.

[فَصْلٌ انْعِقَادُ الْأَمَانُ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ]

(فَصْلٌ وَيَنْعَقِدُ) الْأَمَانُ (بِالصَّرِيحِ كَأَجَّرْتُكَ وَأَمَّنْتُك وَأَنْتَ مُجَاوِرٌ) أَنْتَ (آمِنٌ وَلَا بَأْسَ عَلَيْك وَلَا تَخَفْ وَلَا تَفْزَعْ وَمِتْرَسٌ بِالْعَجَمِيَّةِ) أَيْ لَا خَوْفَ عَلَيْك وَإِدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الْأَمْثِلَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (وَبِالْكِنَايَةِ كَانَتْ عَلَى مَا تُحِبُّ وَكُنْ كَيْفَ شِئْت وَنَحْوُهُ) كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (وَبِكِتَابَةِ) بِالْفَوْقَانِيَّةِ (وَبِإِرْسَالِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ الْمَذْكُورِ مُكَلَّفًا (وَلَوْ كَافِرًا وَبِالتَّعْلِيقِ بِالْغَرَرِ) كَقَوْلِهِ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَمَّنْتُك لِبِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوَسُّعَةِ (وَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهَا كِنَايَةً مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونِ فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَفْظِهِ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا.

(فَإِنْ أَمَّنَهُ) الْمُسْلِمُ (فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ) وَلَوْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ (أَمَّنَ فِيهِ وَفِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا) فِي (غَيْرِهِ) .

(وَإِنْ أَطْلَقَ) أَمَانَهُ لَهُ (وَهُوَ وَالٍ) إمَامًا كَانَ أَوْ نَائِبَهُ بِإِقْلِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَفِي) أَيْ فَهُوَ آمِنٌ فِي (مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعِ سُكْنَاهُ وَفِي الطَّرِيقِ إلَيْهِ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (مَا لَمْ يَعْدِلْ) عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ.

(وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ (عِلْمُ الْكَافِرِ) بِهِ (وَكَذَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) لَهُ وَلَوْ بِمَا يُشْعِرُ بِهِ كَمَا يَأْتِي (وَيَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ عِلْمِهِ وَقَبُولِهِ (وَيَكْفِي مَا يُشْعِرُ بِالْقَبُولِ كَتَرْكِ الْقِتَالِ) وَكَإِشَارَةٍ وَتَقَدُّمِ اسْتِجَارَةٍ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَبُولِ رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ تَبَعًا لِقَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَالْأَصْلُ الظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ زَادَ الْأَصْلُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَاكْتَفَى الْبَغَوِيّ بِالسُّكُوتِ وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْمَنْقُولُ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ.

(فَإِنْ قَبِلَ) الْكَافِرُ الْأَمَانَ (وَقَالَ لَا أُؤَمِّنُك فَهُوَ رَدٌّ) لِلْأَمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَخْتَصُّ بِطُرُقٍ.

(فَإِنْ أَشَارَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ فَظَنَّهُ أَمَّنَهُ) بِإِشَارَتِهِ (فَجَاءَنَا وَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ) أَنَّهُ أَمَّنَهُ بِهَا (أَوْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ) مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ (وَظَنَّ صِحَّتَهُ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كَانَ أَمَانُهُ بِاخْتِيَارِهِ عَلَى عَكْسِ مَا فِي التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ فِي أَيْدِيهِمْ اهـ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمِّنُهُ آمِنًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ) مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَفُوتُ بِالْأَمَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مُسْلِمٌ أَوْ جَمَاعَةٌ كُنَّا أَمَّنَاهُ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ وَلَوْ قَالَهُ وَاحِدٌ وَشَهِدَ اثْنَانِ قُبِلَتْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَدْ يُمْنَعُ جَوَازُ قَتْلِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَنْعُ أَمَانِهِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَتَعَطَّلُ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ) عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ النِّسَاءِ غَيْرِ الْمَحْصُورَاتِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ يُؤَمِّنُ الْمُؤَمِّنُ الْمُكَلَّفُ طَوْعًا لَا الْأَسِيرُ مَحْصُورِينَ وَامْرَأَةً اهـ وَالْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْجِنْسُ لَا لِوَاحِدَةٍ فَقَطْ

قَالَ الكوهكيلوني وَعُلِمَ مِنْ لَفْظِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمَانُ النِّسَاءِ غَيْرِ الْمَحْصُورَاتِ قَالَ شَيْخُنَا وَعُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَدَّى أَمَانُ الْآحَادِ لِمَحْصُورٍ إلَى سَدِّ الْجِهَادِ امْتَنَعَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَفَاءً بِالضَّابِطِ وَعُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِ الْمَذْكُورِ فِي النِّكَاحِ بَلْ مَحْصُورٌ خَاصٌّ بِمَا هُنَا وَهُوَ أَمَانُ مَنْ لَمْ يَنْسَدَّ بِسَبَبِهِ بَابُ الْغَزْوِ عَنَّا وَمَنْ سَوَّى بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي النِّكَاحِ فَقَدْ وَهِمَ كا

(قَوْلُهُ: وَبِالْكِنَايَةِ) أَيْ مَعَ النِّيَّةِ

(قَوْلُهُ: فَفِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَلَوْ عُزِلَ عَنْ بَعْضِ عَمَلِهِ لَمْ يَزُلْ أَمَانُهُ مِنْهُ وَإِنْ قُلِّدَ غَيْرُهُ لَمْ يَدْخُلْ أَمَانُهُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِعَمَلِهِ وَقْتَ أَمَانِهِ

(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَبُولِ رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَصُورَةُ تَرْكِ الْقِتَالِ أَنْ يَكُونَ مُقَاتِلًا بِالْفِعْلِ أَوْ مُتَهَيِّئًا لَهُ كَشَهْرِ سِلَاحٍ مَثَلًا فَيُؤَمِّنُهُ فَيَتْرُكُ ذَلِكَ فَهُوَ قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ إلَخْ) أَيْ بِحَسَبِ مَا رَأَوْهُ وَإِلَّا فَفِي الذَّخَائِرِ وَإِنْ سَكَتَ فَقَدْ حَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ تَرَدُّدٌ أَوْ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْأَمَانُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْقَبُولُ بِاللَّفْظِ أَوْ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى عَدَمِ الرَّدِّ اهـ وَاكْتِفَاءُ الْبَغَوِيّ كَالْعِرَاقِيِّينَ يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ شَيْخِهِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ عَلِمَ بِإِيجَابِ عَقْدِ الْأَمَانِ لَهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِرْقَاقُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ انْعَقَدَ لَهُ الْأَمَانُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ وَمَتَى قَالَ أَمَّنْتُك أَوْ أَجَرْتُك أَوْ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَا بَأْسَ عَلَيْك أَوْ لَا يَدُلُّ لَكِنَّهُ نَوَى بِهِ ذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ الْأَمَانُ

(قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ) كَمَجْنُونٍ أَوْ مُكْرَهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>