[فَصْلٌ فِيمَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَمَا لَا يُبَاحُ بِهِ]
(فَصْلٌ) فِيمَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَمَا لَا يُبَاحُ بِهِ (لَا يُبَاحُ الْقَتْلُ) الْمُحَرَّمُ لِذَاتِهِ (وَ) لَا (الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ) لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِهِ الْقَذْفُ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ تَصَوُّرُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا إذْ الِانْتِشَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّهْوَةِ لَيْسَ شَرْطًا لِلزِّنَا بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِيلَاجِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُنَافِيهِ أَمَّا الْقَتْلُ الْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ كَقَتْلِ صِبْيَانِ الْكُفَّارِ، وَنِسَائِهِمْ فَيُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيُبَاحُ بِهِ الْخَمْرُ) أَيْ شُرْبُهُ اسْتِبْقَاءً لِلْمُهْجَةِ كَمَا يُبَاحُ لِمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَنْ يُسِيغَهَا بِخَمْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا (وَ) يُبَاحُ بِهِ (تَرْكُ الْفَرِيضَةِ) كَالْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ (وَ) يُبَاحُ بِهِ (كَلِمَةُ الْكُفْرِ) أَيْ التَّكَلُّمُ بِهَا وَالْقَلْبُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] (وَالِامْتِنَاعُ) مِنْ التَّكَلُّمِ بِهَا (أَفْضَلُ) ، وَإِنْ قُتِلَ مُصَابَرَةً وَثَبَاتًا عَلَى الدِّينِ كَمَا يُعَرِّضُ النَّفْسَ لِلْقَتْلِ جِهَادًا (وَيُبَاحُ بِهِ) بَلْ يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدُ الْحَرَمِ) ؛ لِأَنَّ لَهُمَا بَدَلًا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَضْمَنُهُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ (وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ) لِتَعَدِّيهِ (وَلَيْسَ لِلْغَيْرِ) ، وَهُوَ الْمَالِكُ (دَفْعُهُ) أَيْ الْمُكْرَهِ (عَنْ مَالِهِ بَلْ يَجِبُ) عَلَيْهِ (أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ) كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ طَعَامَهُ (وَلَهُمَا) أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمَالِكُ (دَفْعُ الْمُكْرِهِ) بِمَا أَمْكَنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ صَائِلٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ الْمَالِكِ مِنْ وَكِيلٍ وَغَيْرِهِ كَالْمَالِكِ فِيمَا ذُكِرَ.
(فَصْلٌ) لَوْ (أَنْهَشَهُ) أَيْ أَلْسَعَهُ (حَيَّةً) مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ (فَإِنْ قَتَلَتْ) أَيْ كَانَتْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَفَاعِي مَكَّةَ وَثَعَابِينِ مِصْرَ (فَعَمْدٌ) فَيَجِبُ الْقِصَاصُ (وَإِلَّا فَشِبْهُهُ) فَتَجِبُ دِيَتُهُ (وَإِنْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا) ، أَوْ قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ فِي مَكَان فِيهِ حَيَّاتٌ، وَلَوْ ضَيِّقًا (أَوْ طَرَحَهُ فِي مَسْبَعَةٍ، أَوْ أَلْقَاهُ) ، وَلَوْ (مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ فِي) مَكَان (مُتَّسِعٍ) كَصَحْرَاءَ (أَوْ أَغْرَاهُ بِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَّسَعِ فَقَتَلَهُ (فَلَا ضَمَانَ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَقْتُولُ صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْجِئْهُ إلَى قَتْلِهِ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ مَعَ قَتْلِهِ كَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ؛ وَلِأَنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ بِطَبْعِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ فِي الْمُتَّسَعِ فَجُعِلَ إغْرَاؤُهُ لَهُ كَالْعَدَمِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى مَنْ أَمَرَ مَجْنُونًا ضَارِيًا، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ بِقَتْلٍ فَقَتَلَ، وَلَوْ بِمُتَّسَعٍ نَعَمْ إنْ كَانَ السَّبُعُ الْمُغْرَى ضَارِيًا شَدِيدَ الْعَدْوِ، وَلَا يَتَأَتَّى الْهُرُوبُ مِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ عَنْ الْقَاضِي فَقَطْ ثُمَّ قَالَا مَعًا: وَجَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا بَيَانًا وَاسْتِدْرَاكًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ.
وَأَمَّا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفًا فِيهَا وَجَرَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْحُرِّ أَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِالْيَدِ (وَإِنْ كَانَ) طَرْحُهُ، وَلَوْ غَيْرَ مَكْتُوفٍ، أَوْ إغْرَاؤُهُ (فِي مَضِيقٍ، أَوْ حَبْسُهُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ السَّبُعِ (فِي بَيْتٍ، أَوْ بِئْرٍ، أَوْ حَذْفُهُ لَهُ حَتَّى اُضْطُرَّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ أَكْرَهَ عَبْدًا مُرَاهِقًا عَلَى قَتْلٍ فَفَعَلَ]
(فَصْلٌ) لَا يُبَاحُ الْقَتْلُ، وَلَا الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْكُفْرِ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ مَفْسَدَةِ الْكُفْرِ إذْ الْكُفْرُ الَّذِي يُوجِبُ الْمَفْسَدَةَ إنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بِالْقَلْبِ بِخِلَافِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَفْسَدَةَ قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَمُتَعَلِّقَاتُ الزِّنَا كَالزِّنَا وَالْقَطْعِ، وَإِزَالَةُ اللَّطَائِفِ وَالْمَنَافِعِ مِثْلُ الْقَتْلِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْغَيْرِ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَانْتِهَاكِ الْبُضْعِ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِهِ الْقَذْفُ أَيْضًا) أَيْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُتَّجَهُ وُجُوبُ التَّلَفُّظِ بِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. وَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا حَدَّ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ لِأَجْلِ الْمَالِ، وَأَبْدَى الْبُلْقِينِيُّ فِي الْمُرْتَدِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ تَرَدُّدًا مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ فَقَالَ هَلْ نَقُولُ يُبَاحُ قَتْلُهُمَا بِالْإِكْرَاهِ أَوْ نَقُولُ إنَّمَا هَذَا مَنْصِبُ الْإِمَامَةِ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَمَنْصِبُ الْإِمَامَةِ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الِافْتِيَاتَ عَلَى الْإِمَامِ إنَّمَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ بِهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ) أَيْ التَّكَلُّمُ بِهَا إلَخْ، وَلَا يَجِبُ إذْ بَذْلُ النُّفُوسِ فِي إعْزَازِ الدِّينِ مَشْرُوعٌ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ إذَا كَانَ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلْحُرُمِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَعُلِمَ أَنَّ الصَّبْرَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَتِهِمْ أَوْ اسْتِئْصَالِهِمْ، وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَلَعَلَّ مَحْمَلَ الْوَجْهَيْنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَيْثُ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الصَّبْرِ غَيْرُ مَوْتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ بِهِ) بَلْ يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي، وَسِيطِهِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ (إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ) قَالَ فِي التَّدْرِيبِ لَا يَصِلُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَى الْوُجُوبِ إلَّا إتْلَافُ الْمَالِ عَلَى مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ، وَهَلْ يُوجِبُ الْمُصَنِّفُ إتْلَافَ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا تَقْتَضِيهِ فَإِنْ اقْتَضَتْ قَتْلًا أُلْحِقَتْ بِهِ أَوْ مَالًا أُلْحِقَتْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرَهِ) قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ ضَامِنًا حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى إتْلَافِ مَالٍ أَوْ عَلَى تَسْلِيمِ مَا هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ بِكَسْرِ الرَّاءِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي بَابِ السِّيَرِ عَنْ التَّهْذِيبِ فِيمَا إذَا تَتَرَّسَ الْكَافِرُونَ بِمُسْلِمٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا أَكْرَهَ شَخْصًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ نِصْفُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَجَمِيعُهُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ مَالَهُ لِآخَرَ فَتَلِفَ فِي يَدِ الثَّالِثِ فَالْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ طَرِيقٌ فِي ضَمَانِ النِّصْفِ فِي الْأَظْهَرِ وَجَمِيعُهُ عَلَى الْآخَرِ وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّالِثِ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُكْرِهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْكُلِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ تَسَلَّمَهُ غَصْبًا، وَلَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ شَخْصًا عَلَى أَنْ يُقِرَّ لِشَخْصٍ بِمَالٍ فَأَقَرَّ مُكْرَهًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ فَلَوْ أَقَرَّ مُكْرَهًا، وَسَلَّمَ مُخْتَارًا فَهُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَ نَفْسِهِ.
[فَصْلٌ أَنْهَشَهُ حَيَّةً مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ]
(قَوْلُهُ: وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute