للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا مَرَّ إذْ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت كَذَا لَا يُوَافِقُ مَا ادَّعَاهُ (وَإِنْ حَذَفَ) مِنْ ذَلِكَ (اسْمَ اللَّهِ لَغَا) فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً (وَإِنْ نَوَى) الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ (فِي الْإِيلَاءِ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَوْ جَعَلَهُ بَعْدَ وَالْأَخْبَارِ كَانَ مُوَافِقًا لِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ تَأْخِيرَهُ مِنْ النُّسَّاخِ وَمَعَ هَذَا فَالْأَمْرُ قَرِيبٌ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَذَفَهُ ثَمَّ لِلْإِشْكَالِ الَّذِي أُجِيبَ عَنْهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَنْهُ جَوَابٌ

(وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ) أَوْ شَهِدْت (أَوْ أَعْزِمُ) أَوْ عَزَمْت (بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا إنْ نَوَى) فَيَمِينٌ قَالُوا لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ فِي أَشْهَدُ قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١] إذْ الْمُرَادُ نَحْلِفُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: ١٦] وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا إذَا نَوَى غَيْرَهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ أَطْلَقَ لِتَرَدُّدِهِ وَعَدَمِ إطْرَادِ عُرْفٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لُغَوِيٍّ بِهِ

(وَلَوْ قَالَ الْمَلَاعِنُ) فِي لِعَانِهِ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ) وَكَانَ (كَاذِبًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ إذْ لَا أَثَرَ لِلتَّوْرِيَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا لَا تُؤَثِّرُ التَّوْرِيَةُ حِينَئِذٍ فِي الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ وَالْكَفَّارَةُ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا تَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْيَمِينَ وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْإِثْمِ حُكْمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ بِالتَّوْرِيَةِ قَطْعًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ تَعَدَّدَتْ قَطْعًا بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ فِي الْمَاضِي حَلِفٌ وَكَذَا فِي الْقَسَامَةِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحِنْثَ فِي الْمَاضِي مُقَارِنٌ لِلْيَمِينِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

(وَقَوْلُهُ لَا هَالِلْهُ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَ (أَيْمُ اللَّهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ قَطْعُهَا (وَأَيْمُنُ اللَّهِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إذَا أَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي اللُّغَةِ وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ (وَلَعَمْرُ اللَّهِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ وَالْحَيَاةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمَفْرُوضَاتِ (وَكَذَا) قَوْلُهُ (وَعَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا كِنَايَةٌ سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا مَثَّلَ أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدْنَا بِهِ وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهَا الْعِبَادَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا وَقَدْ فَسَّرَ بِهَا الْأَمَانَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] (فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ) يَمِينٌ (وَاحِدَةٌ وَالْجَمْعُ) بَيْنَ الْأَلْفَاظِ (تَأْكِيدٌ) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كَانَ يَمِينًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا وَنَوَى بِكُلِّ مَرَّةٍ يَمِينًا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (وَإِنْ قَالَ وَحَقُّ اللَّهِ بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ فَكِنَايَةٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ

(الْبَابُ الثَّانِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ) ثَلَاثَةٌ (الْأَوَّلُ فِي سَبَبِ الْكَفَّارَةِ فَتَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّبَبُ مُجَرَّدَ الْيَمِينِ لَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ أَوْ مُجَرَّدُ الْحِنْثِ لَمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ

(فَصْلٌ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ بِغَيْرِ الصَّوْمِ عَلَى الْحِنْثِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «وَإِذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْعَجْزُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ الْوُجُوبِ (وَلَوْ) كَانَ الْحِنْثُ (بِمَعْصِيَةٍ) مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَزْنِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ وَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إبَاحَةٌ وَلَا تَحْرِيمٌ بَلْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ التَّكْفِيرِ وَبَعْدَهُ وَخَرَجَ بِالْحِنْثِ الْيَمِينُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبْيَيْنِ وَمِنْهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك لَمْ يَجُزْ التَّكْفِيرُ قَبْلَ دُخُولِهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ بَعْدُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى السَّبَبَيْنِ لَا تَجُوزُ مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْإِمَامُ (وَتَأْخِيرُهَا) عَنْ الْحِنْثِ (أَفْضَلُ) -

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

وَقَالَ تَعَالَى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: ١٠٦]

(قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَمِينِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْقَسَامَةِ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِيهَا خَمْسِينَ يَمِينًا كَاذِبًا لَزِمَتْهُ خَمْسُونَ كَفَّارَةً

(قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا) مِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ وَرَبِّ الدَّابَّةِ لَا أَفْعَلُ كَذَا (قَوْلُهُ الْعِبَادَاتُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ اسْتِحْقَاقُهُ (قَوْلُهُ، وَإِنْ قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ) أَوْ وَعِلْمِ اللَّهِ (قَوْلُهُ بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ فَكِنَايَةٌ) لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَرِّ وَالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي الْجَمِيعِ فَيَجُوزُ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِخِلَافِهِ ع

[الْبَابُ الثَّانِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي سَبَبِ كَفَّارَة الْيَمِينِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) (قَوْلُهُ فَتَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا)

، وَإِنْ كَانَ عَقَدَهَا طَاعَةً، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَاضٍ وَكَتَبَ أَيْضًا شَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ طَاعَةً وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةً خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْحِنْثِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْحَاوِي إنْ كَانَ عَقْدُ الْيَمِينِ طَاعَةً وَحَلُّهَا مَعْصِيَةً مِثْلَ لَا زَنَيْت فَإِذَا زَنَى كَفَّرَتْ إثْمَ الْحِنْثِ، وَإِنْ كَانَ عَكَسَهُ مِثْلَ لَا صَلَّيْت فَإِذَا صَلَّى كَفَّرَتْ إثْمَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ وَالْحِلُّ مُبَاحَيْنِ مِثْلَ لَا أَلْبِسُ هَذَا تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِمَا، وَهِيَ بِالْحِنْثِ أَحَقُّ لِاسْتِقْرَارِ وُجُوبِهَا بِهِ

[فَصْلٌ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ بِغَيْرِ الصَّوْمِ عَلَى الْحِنْثِ]

(قَوْلُهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ إلَخْ) قَالَ الدَّارِمِيُّ: لَوْ قَدَّمَ ثُمَّ لَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَإِنْ أَيِسَ عَنْ الْحِنْثِ وَكَانَ قَدْ شَرَطَ الرُّجُوعَ فَلَهُ الِاسْتِرْجَاعُ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ) وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ بِغَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>