للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ) بِأَنْ أَتَى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ (مَلَكَهُ) حَتَّى لَوْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا، وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لَوْ قَصَدَهَا وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ، ثُمَّ قَالَ وَمُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ صَرِيحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَدْنَى الْعِمَارَاتِ أَبَدًا فَمَا لَا يَفْعَلُهُ عَادَةً إلَّا الْمُتَمَلِّكُ كَبِنَاءِ الدَّارِ وَاِتِّخَاذِ الْبُسْتَانِ يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَمَلِّكُ وَغَيْرُهُ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوَاتٍ وَكَزَرْعِ قِطْعَةٍ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَاءِ السَّمَاءِ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدًا أَفَادَ الْمِلْكَ، وَإِلَّا فَلَا.

(فَصْلٌ) فِي الْحِمَى (لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَنْ يَحْمِيَ لِخَيْلِ الْجِهَادِ) وَالضَّوَالِّ (وَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ وَالضُّعَفَاءِ) الْعَاجِزِينَ عَنْ النُّجْعَةِ (مَوَاتًا) لِتَرْعَى فِيهِ بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ حَيْثُ (لَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ) بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَكْفِي بَقِيَّةَ النَّاسِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، وَالْأَوَّلَانِ مُدْرَجَانِ فِي الْخَبَرِ وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْ فِي الْحِمَى غَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَ عَامِلًا لِلزَّكَاةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَبِمَا بَعْدَهُ مَا إذَا حَمَى لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ (وَحِمَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُغَيَّرُ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ نَصٌّ وَهُوَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (فَمَنْ بَنَى فِيهِ، أَوْ زَرَعَ) أَوْ غَرَسَ (قُلِعَ وَيُغَيَّرُ حِمَى غَيْرِهِ) مِنْ الْأَئِمَّةِ رِعَايَةً (لِلْمَصْلَحَةِ) بِأَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى وَلَيْسَ مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ (لَكِنْ لَا يَحْيَى بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ فَإِنْ أُحْيِيَ بِإِذْنِهِ مَلَكَهُ الْمُحْيِي وَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْإِحْيَاءِ نَقْضًا، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا (وَلْيَنْصِبْ) عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (أَمِينًا يُدْخِلُ فِيهِ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ لَا) دَوَابَّ (الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ) وَالْقَوِيُّ يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ دَوَابِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مُنِعَ مِنْهُ وَلَمْ يَغْرَمْ) شَيْئًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَا يُعَزَّرُ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ، وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ) الْمُعَدَّ لِشُرْبِ الْخَيْلِ، وَالْمَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ (أَوْ يَعْتَاضَ عَنْ رَعْيِ الْحِمَى، وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى، أَوْ الْمَوَاتِ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ) (مَنْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ) مَثَلًا (فِي شَارِعٍ وَلَمْ يُضَيِّقْ) عَلَى الْمَارَّةِ (لَمْ يُمْنَعْ) وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْيَاءِ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ (وَفِي) مَنْعِ (الذِّمِّيِّ) مِنْ ذَلِكَ (وَجْهَانِ) رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ عَدَمَ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَتَأَبَّدُ (وَلَهُ) أَيْ الْجَالِسِ لِلْمُعَامَلَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ لِنَوْعٍ فَأَحْيَاهُ لِنَوْعٍ آخَرَ) كَأَنْ قَصَدَ إحْيَاءَهُ لِلْمُزَارَعَةِ بَعْدَ أَنْ قَصَدَهُ لِلسُّكْنَى وَقَوْلُهُ مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ الطَّارِئِ وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ مَا إذَا قَصَدَ نَوْعًا وَأَتَى بِمَا يُقْصَدُ بِهِ نَوْعٌ آخَرُ كَأَنْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ بِحَيْثُ تَصْلُحُ زَرِيبَةً بِقَصْدِ السُّكْنَى لَمْ يَمْلِكْهَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَمُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ

[فَصْلٌ فِي الْحِمَى لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ]

(قَوْلُهُ: يَحْمِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ فَإِنَّهُ يُقَالُ حَمَيْت الْمَكَانَ مَنَعْته وَأَحْمَيْته جَعَلْته حِمًى (قَوْلُهُ: وَمَوَاشِي الصَّدَقَةِ) الْمُرَادُ بِهَا الْفَاضِلَةُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ (قَوْلُهُ: وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ) الَّتِي تُؤْخَذُ بَدَلًا عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْجِزْيَةِ (قَوْلُهُ: وَحِمَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُغَيَّرُ) اسْتَثْنَى جَمَاعَةٌ حِمَى عُمَرَ أَيْضًا وَاسْتَثْنَى فِي الرَّوْنَقِ حِمَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَاسْتُحْسِنَ (قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ) قَالَ شَيْخُنَا لِتَعَدِّيهِ بِإِتْلَافِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَذِنَ فِيهَا الشَّارِعُ وَهِيَ الرَّعْيُ فَأَشْبَهَ إتْلَافَ شَجَرِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْهُ فِي إتْلَافِهَا كَاتِبُهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُعَزَّرُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ أَحَدُ مُسْتَحِقِّيهِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ جَهِلَهُ وَنَهَاهُ الْإِمَامُ فَأَصَرَّ فَلَا رَيْبَ فِي تَعْزِيرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَعْتَاضَ عَنْ رَعْيِ الْحِمَى وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ) بَيْعُ بَعْضِ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَانِنَا مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْمَوَاتِ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ قَالَ بِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي مَعْنَى الشَّوَارِعِ الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْنَ الدُّورِ فِي الْمُدُنِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ نَقَلَ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، وَالْبَيْعُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبِلَادِ الْحَلَبِيَّةِ وَمَا وَالَاهَا بِبَيْعِ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ الْمَوَاتَ الْعَارِيَ عَلَى حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ الْقَدِيمَةِ الْعِظَامِ وَغَيْرِهِمَا لِعَمَلِ الطَّوَاحِينِ وَغَيْرِهَا وَيَسْتَشْهِدُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا دِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ وَيُثْبِتُ ذَلِكَ أَمْثَالُهُمْ مِنْ الْحُكَّامِ وَيَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ. وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ) (قَوْلُهُ: مَنْ جَلَسَ لِلْمُعَامَلَةِ فِي شَارِعٍ) عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الشَّارِعِ بِالطَّرِيقِ النَّافِذِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَالشَّارِعِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ إذْ الطَّرِيقُ تَكُونُ فِي الصَّحَارِي، وَالْبُنْيَانُ وَالشَّارِعُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ، وَالشَّارِعُ لَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا وَالطَّرِيقُ قَدْ يَكُونُ نَافِذًا وَقَدْ لَا يَكُونُ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الشَّارِعُ الطَّرِيقُ الَّتِي يَأْتِيهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الطَّرِيقِ النَّافِذِ إذْ رُبَّ طَرِيقٍ نَافِذٍ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ (قَوْلُهُ: رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُمَا عَدَمَ الْمَنْعِ وَهُوَ الرَّاجِحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>