للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ سَهْمٍ) لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِأَعْمَالِ الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي مُعَامَلَاتِ الْكُفَّارِ لِمَصَالِح الْقِتَالِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْأَمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لِكَوْنِ الْجِهَادِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهِ فِي الْأَذَانِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَهُنَا كَافِرٌ لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ.

(وَالْأُجْرَةُ) الْوَاجِبَةُ لِلْكَافِرِ مُسَمَّاةً كَانَتْ أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تُؤَدَّى (مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ) مِنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ (فَإِنْ أَكْرَهَهُ) الْإِمَامُ عَلَيْهِ (أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ) كَأَنْ قَالَ أُرْضِيك أَوْ أُعْطِيك مَا تَسْتَعِينُ بِهِ (وَقَاتِلْ وَجَبَتْ) لَهُ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَاتِلْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ.

(وَإِنْ قَهَرَهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ (عَلَى الْخُرُوجِ) لِلْجِهَادِ (وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَا أُجْرَةَ) لَهُمْ (لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ) فِي الصَّفِّ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَخَرَجَ بِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِمْ فَلَهُمْ أُجْرَتُهَا (أَوْ هَرَبُوا قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ) أَوْ خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ (فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ) وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ لِيَكُونَ جَوَابُ مَا بَعْدَهُ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ.

(وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَعِدْهُمْ) بِشَيْءٍ (رَضَخَ لَهُمْ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَيُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَائِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْغَنِيمَةِ مَعَهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الْغَانِمُونَ (لَا إنْ خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّبِّ عَنْ الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَنَّهَا هَمٌّ عَنْ الْخُرُوجِ أَمْ لَا بَلْ لَهُ تَقْرِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ إنْ رَآهُ.

[فَصْلٌ يُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ]

(فَصْلٌ وَيُكْرَهُ) لِغَازٍ (قَتْلُ قَرِيبٍ) لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحْمِلُهُ الشَّفَقَةُ عَلَى النَّدَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِهِ (وَ) قَتْلُ الْقَرِيبِ (الْمَحْرَمِ أَشَدُّ) كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] «وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» (لَا إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ؛ لِأَنَّ «أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» .

(وَيَحْرُمُ قَتْلُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) مِنْ الْكُفَّارِ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْجُنُونِ بِالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةٍ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُسْتَرَقُّونَ فَيَكُونُونَ قُوَّةً لَنَا (إلَّا إنْ قَاتَلُوا) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ.

(وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ أَنْبَتَ) الشَّعْرَ (الْخَشِنَ) عَلَى عَانَتِهِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ (لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ) بِدَوَاءٍ (وَحَلَفَ) أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ (وَحَلِفُهُ) عَلَى ذَلِكَ (وَاجِبٌ) وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ مَنْ يَدَّعِي الصِّبَا (لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ) فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ.

(وَيَجُوزُ قَتْلُ رَاهِبٍ) شَيْخٍ أَوْ شَابٍّ (وَأَجِيرٍ وَمُحْتَرِفٍ وَشَيْخٍ) وَلَوْ ضَعِيفًا (وَأَعْمَى وَزَمِنٍ) وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالصَّفُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ» أَيْ مُرَاهِقِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ.

(وَيُقْتَلُ مِنْهُمْ ذُو الرَّأْيِ) وَغَيْرُهُ فَلَوْ ذُكِرَ غَيْرُهُ كَانَ أَوْلَى (وَكَذَا السُّوقَةُ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (لَا الرُّسُلِ) فَلَا يُقْتَلُونَ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ.

(وَيَجُوزُ حِصَارُهُمْ) فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ.

(وَ) يَجُوزُ (إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَالنَّارِ) قَالَ تَعَالَى {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: ٥] «وَحَاصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ نَعَمْ لَوْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

بِالْقِسْطِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْسِيطَهُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَالْقِتَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا اسْتِمْرَارُ الْإِجَارَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ إلَخْ) الْأَوْلَى مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ رُجُوعِهِمْ فِي الْأُولَى قَدْ تَجِبُ إذَا لَمْ يَزُلْ قَهْرُ الْإِمَامِ عَنْهُمْ فِيهَا

(قَوْلُهُ: وَقَتْلُ الْقَرِيبِ وَالْمَحْرَمِ أَشَدُّ) خَرَجَ بِهِ الْمَحْرَمُ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ قَتْلَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلِهِ أَوْ كَانَ بَطَلًا لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ غَيْرُ قَرِيبِهِ وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ كَفَّ عَنْهُ لَأَنْكَى فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَدَّدَ جَمْعَهُمْ وَمَا فِي مَعْنَى هَذَا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا فَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ) أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى مِنْ قَوْمٍ لَا كِتَابَ لَهُمْ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعَا مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلَانِ أَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ سِوَاهُمَا فَلَهُ قَتْلُهُمَا وَأَكْلُهُمَا وَمِثْلُهُمَا فِي هَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (تَنْبِيهٌ) مِنْ الْمَعْلُومِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ يَمُوتُ كَافِرًا

(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>