للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا ارْتَكَبَهُ مِمَّا يُوجِبُ تَعْزِيرًا كَالْحَدِّ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ (وَ) لَهُ (إقَامَةُ حَدِّ الْقَذْفِ وَسَائِرِ الْحُدُودِ) أَيْ بَاقِيهَا (حَتَّى الْقَطْعِ، وَقَتْلِ الرِّدَّةِ) وَالْمُحَارَبَةِ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ لَهُ سَرَقَ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عَائِشَةَ قَطَعَتْ يَدَ أَمَةٍ لَهَا سَرَقَتْ، وَأَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ أَمَةً لَهَا سَحَرَتْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ بِكُفْرِهِ (وَ) هَلْ لَهُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعُ (فِي الْقِصَاصِ، وَجْهَانِ) كَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْجَوَازِ.

(وَهَلْ) لِلسَّيِّدِ أَنْ (يَتَوَلَّى لِعَانَ عَبْدِهِ) فِيمَا إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا (وَجْهَانِ) رَجَّحَ هُوَ مِنْهُمَا فِي اللِّعَانِ الْجَوَازَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْلِ ثُمَّ حَيْثُ بَنِي الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي إقَامَتِهِ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ.

(وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ حَدُّ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا يَلِي تَزْوِيجَ أَمَتِهِ الْمُسْلِمَةِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ (وَفِي) جَوَازِ إقَامَةِ (الْوَلِيِّ) مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَصَبِيٍّ وَحَاكِمٍ، وَقَيِّمِ الْحَدِّ (فِي عَبْدِ الطِّفْلِ) وَنَحْوِهِ مِنْ سَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ (وَجْهَانِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْحَدُّ إصْلَاحٌ فَلَهُ إقَامَتُهُ أَوْ وِلَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْوَلِيِّ فِي رَقِيقِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى (وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ السَّيِّدِ بِأَحْكَامِ الْحَدِّ) ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا (فَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ) بِزِنَاهُ (عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أَوْ قَضَى بِمَا شَاهَدَهُ) مِنْ زِنَاهُ (جَازَ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَمَلَكَ سَمَاعَ بَيِّنَتِهِ كَالْإِمَامِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِحَاجَتِهِ إلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ وَبِهَذَيْنِ فَارَقَ عَدَمَ جَوَازِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا أَيْ الْبَيِّنَةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِسَمَاعِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ سَمَاعُهَا فَلَا يُحَدُّونَ بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِمُشَاهَدَةٍ مِنْهُمْ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ وَفَرْضُهُ فِي الْفَاسِقِ وَالْمُكَاتَبِ وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى.

(وَإِنْ قَذَفَ) الرَّقِيقُ (سَيِّدَهُ حُدَّ أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ قَذَفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ (رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَزِّرَهُ) كَغَيْرِهِ وَمَسْأَلَةُ الْعَكْسِ مَرَّتْ فِي بَابِ الْقَذْفِ.

(وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ) حُرٌّ (ثُمَّ اُسْتُرِقَّ) بَعْدَ نَقْضِ عَهْدِهِ (أَقَامَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ) لَا سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَئِذٍ.

(وَلِلْمَقْتُولِ حَدًّا) بِالرَّجْمِ أَوْ غَيْرِهِ (حُكْمُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ) مِنْ غُسْلٍ، وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا قُتِلَ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى عَلَى الْجُهَنِيَّةِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ وَدَفَنَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «صَلَّى هُوَ عَلَيْهَا أَيْضًا» .

[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ (الْقَذْفُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الْمُخْتَارِ) الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا (كَبِيرَةٌ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ» (وَقَدْ سَبَقَتْ شُرُوطُهُ) الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ أَيْ بَقِيَّتُهَا (فِي اللِّعَانِ) فَلَا حَدَّ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَيْسَ بِسَكْرَانَ، وَلَا عَلَى مُكْرَهٍ، وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ، وَلَا حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا قَاذِفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ فِي اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا، وَلَا حَدَّ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْضًا وَيُفَارِقُ لُزُومَ الْقَوَدِ لَهُ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَعِينُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فِي الْقَذْفِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَتْلِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُكْرِهِ هُنَا وَالْمُكْرَهِ ثَمَّ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا بِأَنَّ الْمَأْخَذَ هُنَا التَّعْيِيرُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَهُنَاكَ الْجِنَايَةُ، وَقَدْ وُجِدَتْ.

(وَيَحُدُّ الْإِمَامُ) ، وَلَوْ بِنَائِبِهِ (لَا غَيْرَهُ) الْقَاذِفَ (الْحُرَّ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِآيَةِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ كَوْنِ الْآيَةِ فِي الْحُرِّ قَوْلُهُ {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] إذْ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

فِي الْقَوَاعِدِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ السَّيِّدَ فَإِنَّهُمْ جَوَّزُوا لَهُ اسْتِيفَاءَهُ (قَوْلُهُ: كَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ الْجَوَازِ) هُوَ الْأَصَحُّ.

(قَوْلُهُ: رَجَّحَ هُوَ مِنْهُمَا فِي اللِّعَانِ الْجَوَازَ) هُوَ الرَّاجِحُ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) هُوَ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا الْحَدُّ إصْلَاحٌ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَوْ اسْتَوْفَاهُ جَاهِلًا بِذَلِكَ قَاصِدًا عُقُوبَتَهُ عَلَى الزِّنَا هَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ كَوْنَ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا نَعَمْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَفَرْضُهُ فِي الْفَاسِقِ وَالْمُكَاتَبِ) ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى) قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سَمَاعَهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَذَفَ الرَّقِيقُ سَيِّدَهُ حَدَّهُ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَدْ يُلْتَحَقُ بِهِ السَّفِيهُ الَّذِي فِي حِجْرِ وَالِدِهِ لَوْ قَذَفَهُ أَنَّ لَهُ حَدَّهُ لِمَكَانِ وِلَايَتِهِ كَالسَّيِّدِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ) قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثُمَّ عَتَقَ كَانَ الِاسْتِيفَاءُ لِلْإِمَامِ لَا لِلسَّيِّدِ.

(بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) (قَوْلُهُ: فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ مَعَ تَمَامِ الْعَدَدِ، وَعَمَّا إذَا شَهِدَ بِجُرْحِهِ فَاسْتَفْسَرَهُ الْقَاضِي فَأَخْبَرَهُ بِزِنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَكَتَبَ أَيْضًا سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا يَسْبِقُ إلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ يَا وَلَدَ الزِّنَا لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ نَوْعُ ذُعْرٍ، وَلَا يَقْصِدُونَ بِهِ الْقَذْفَ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ؟ . فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْصِدْ قَائِلُهُ الْقَذْفَ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَافِرًا) شَمَلَ الذِّمِّيَّ وَالْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُرْتَدَّ (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ لَيْسَ بِسَكْرَانَ) لِلْحَدِيثِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ (تَنْبِيهٌ) قَذْفُ النَّائِمِ لَغْوٌ لَكِنْ هَلْ يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ نَائِمًا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ صَبِيًّا وَاحْتَمَلَ صِدْقُهُ صُدِّقَ أَوْ مَجْنُونًا، وَعَهِدَ لَهُ جُنُونٌ فَكَذَلِكَ وَمِثْلُ دَعْوَى النَّوْمِ دَعْوَى زَوَالِ عَقْلِهِ حَالَ قَذْفِهِ بِإِغْمَاءٍ وَنَحْوِهِ وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ، قَالَ السَّكْرَانُ إنَّمَا شَرِبْت مُكْرَهًا أَوْ غَالَطَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَتْلِ) فَإِنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلَ بِهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَحُدُّ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ الْحَدَّ) أَيْ عِنْدَ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ: وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>