للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ عَلِمَ فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ (وَكَسْبُهُ) مِلْكٌ (لِلسَّيِّدِ يُنْفِقُهُ) أَيْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ (مِنْهُ إنْ شَاءَ) فَإِنْ لَمْ يَفِ بِنَفَقَتِهِ فَالْبَاقِي عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ (وَلَا يَقْتَصِرُ فِي كِسْوَتِهِ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ، وَلَا بَرْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ تَحْقِيرًا قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا بِبِلَادِنَا إخْرَاجًا لِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ مِنْ الْغَالِبِ فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.

(فَصْلٌ: لَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ) عَلَى خَسِيسِهِ (كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ، وَاسْتُحِبَّ فِي الْإِمَاءِ) لِلْعَادَةِ سَوَاءٌ فِيهِ السِّرِّيَّةُ وَغَيْرُهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي الْعَبِيدِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ، وَبِهِ أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَقَالُوا وَيَخْتَلِفُ حَالُهُمْ بِاخْتِلَافِ مَنَازِلِهِمْ فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي، وَالسَّائِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ قَالَ وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ.

(فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ) لِسَيِّدِهِ (أَنْ يُؤَاكِلَهُ) بِأَنْ يُجْلِسَهُ لِلْأَكْلِ مَعَهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاكِلْهُ بِأَنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ أَوْ امْتَنَعَ هُوَ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ (فَلْيَرُغْ) أَيْ فَلْيُرَوِّ (لَهُ فِي) ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ (الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً) تَسُدُّ مَسَدَ الصَّغِيرَةِ تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ، وَلَا تَقْضِي النُّهْمَةَ (أَوْ لُقْمَتَيْنِ) ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْإِجْلَاسَ مَعَهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْوِيغِ وَالْمُنَاوَلَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ (ثُمَّ هَذَا) أَيْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (لِمَنْ عَالَجَ الطَّعَامَ آكَدُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ) الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ نَدْبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا حَاصِلُهُ الْوُجُوبُ ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْوُجُوبُ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (، وَلَوْ أَعْطَى) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ طَعَامَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ) بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ هَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ وَقْتَ الْأَكْلِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَوْرِدَ الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ احْتِمَالًا.

(فَصْلٌ: لَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ) ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ (عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَلَوْ مِنْ زِنًا) ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ (وَلَوْ طَلَبَتْهُ) أَيْ إرْضَاعَهُ (لَمْ يَجُزْ) لَهُ (مَنْعُهَا) مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقًا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا (إلَّا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ) بِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَوَضْعُ الْوَلَدِ عِنْدَ غَيْرِهَا إلَى فَرَاغِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَإِلَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ مَالِكِهِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرُّوهُ.

(وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ) عَلَى الْإِرْضَاعِ (مِنْ أَبِ وَلَدِهَا الْحُرِّ) ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّبَرُّعُ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ التَّبَرُّعُ بِهِ (وَلَا يُكَلِّفُهَا رَضَاعَ غَيْرِ وَلَدِهَا) ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: ٢٣٣] ؛ وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ كَالْقُوتِ (إلَّا بِفَاضِلٍ) مِنْ لَبَنِهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ رِيِّهِ أَمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا أَوْ لِقِلَّةِ شِرَائِهِ أَوْ لِاغْتِنَائِهِ بِغَيْرِ اللَّبَنِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَوْ لِمَوْتِهِ فَلَهُ تَكْلِيفُهَا ذَلِكَ كَمَا لَهُ تَكْلِيفُهَا غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُطِيقُهَا

(وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى الْفِطَامِ) لِوَلَدِهَا (قَبْلَ) مُضِيِّ (الْحَوْلَيْنِ إنْ اجْتَزَأَ بِغَيْرِ اللَّبَنِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ بِهَا وَهِيَ مِلْكُهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ (وَ) عَلَى (الرَّضَاعِ) لَهُ (بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ) هُوَ أَوْ هِيَ بِالْإِرْضَاعِ سَوَاءٌ أَكَفَاهُ غَيْرُ اللَّبَنِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِإِرْضَاعٍ، وَلَا فِطَامٍ إذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ (بِخِلَافِهِ مَعَ الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ (عَلَى الْفِطَامِ قَبْلَ) مُضِيِّ (الْحَوْلَيْنِ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي التَّرْبِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة: ٢٣٣] أَيْ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ الْوَلَدَ أَوْ لَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا اسْتِقْلَالٌ بِالْفِطَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى فِطَامِهِ حِينَئِذٍ جَازَ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ كَمَا صَرَّحَ الْأَصْلُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ (الْأُجْرَةُ لَهَا) أَوْ لِغَيْرِهَا (حَالَ الِامْتِنَاعِ) أَيْ امْتِنَاعِهَا مِنْ الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ الْوَلَدُ (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الِانْفِرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْفِطَامِ (بَعْدَهُمَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ) بِهِ لِمُضِيِّ مُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ فِي الْإِرْضَاعِ عَلَى الْحَوْلَيْنِ إذْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَجَبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَوْ اعْتَادَ أَهْلُ بَلَدٍ سَتْرُ أَرِقَّائِهِمْ بِالطِّينِ كَفَاهُ

[فَصْلٌ تَفْضِيلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ عَلَى خَسِيسِهِ]

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِيهِ السَّرِيَّةُ وَغَيْرُهَا) كَالْجَمِيلَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كُلُّ رَقِيقٍ فِيهِ مَعْنًى زَائِدٌ مِنْ قِرَاءَةٍ وَعِلْمٍ وَنَحْوِهِمَا ش (قَوْلُهُ: فَالْأَشْبَهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ) وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى نَفِيسِ الذَّاتِ.

(قَوْلُهُ: «فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوَلُقْمَتَيْنِ» ) أَوْ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْعَبْدُ طَعَامَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَصْلَحَةُ الْعَبْدِ فِي إبْدَالِهِ بِأَنْ عَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ أَوْ لَا يُلَائِمُهُ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي إبْدَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَهَذَا مُحْتَمَلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ لَا سِيَّمَا إذَا رَامَ إبْدَالَهُ بِرَدِيءٍ

[فَصْلٌ إجْبَارُ أَمَتِهِ وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا]

(قَوْلُهُ: فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ) أَيْ غَيْرَ اللِّبَأِ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ وَفِيمَا ذَا وُجِدَتْ مُرْضِعَةُ غَيْرِهَا

(قَوْلُهُ: وَلَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ أَبِ وَلَدِهَا الْحُرِّ) ، وَلَوْ عَلَى اللِّبَأِ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ

(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِطَامِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ إلَخْ) لَوْ كَانَ الْفِطَامُ قَبْلَهُمَا أَصْلَحَ لِلْوَلَدِ كَأَنْ حَمَلَتْ أُمُّهُ أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ، وَلَمْ يَجِدْ مُرْضِعَةً سِوَاهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يُجَابُ الْأَبُ إلَى الْفِطَامِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>