أَنَّ مَنْ جُرِحَ ثُمَّ قُتِلَ يَدْخُلُ أَرْشُ جُرْحِهِ فِي الدِّيَةِ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَجَرَحَهُ مَعَ آخَرَ خَطَأً فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ بِجُرْحَيْهِ حِصَّةُ جُرْحِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الرُّبْعُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ رُبْعٌ إنْ لَمْ تَكُنْ حِصَّةُ جُرْحِ الْكُفْرِ دُونَ الرُّبْعِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ قَدْرُ الْأَرْشِ وَالْبَاقِي عَلَيْهِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَإِنْ تَخَلَّلَتْ) مِمَّنْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ شَخْصًا فَمَاتَ (رِدَّةٌ أَوْ إسْلَامٌ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ) ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الرِّدَّةُ أَوْ الْإِسْلَامُ بِالْإِصَابَةِ (فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ.
(وَمَنْ حَفَرَ) ، وَكَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا (بِئْرًا عُدْوَانًا أَوْ رَمَى صَيْدًا فَعَتَقَ) الْعَبْدُ (أَوْ عَتَقَ أَبَاهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ) إلَى مَوْلَى أَبِيهِ (أَوْ أَسْلَمَ) الذِّمِّيُّ (ثُمَّ) بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِسْلَامِ (تَرَدَّى رَجُلٌ) فِي الْبِئْرِ (أَوْ أَصَابَهُ السَّهْمُ) فَمَاتَ (أَوْ عَتَقَ أَبُوهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ) إلَى مَوَالِي أَبِيهِ (أَوْ أَسْلَمَ) الذِّمِّيُّ (ثُمَّ) بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِسْلَامِ (تَرَدَّى رَجُلٌ) فِي الْبِئْرِ (أَوْ أَصَابَهُ السَّهْمُ) فَمَاتَ (ضَمِنَ) الْحَافِرُ أَوْ الرَّامِي الدِّيَةَ (فِي مَالِهِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ لِانْتِقَالِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا مَرَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالتَّصْرِيحُ بِمَسْأَلَةِ حَفْرِ الذِّمِّيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ. (وَإِنْ جَرَحَ عَبْدٌ رَجُلًا خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَذَلِكَ) مِنْهُ (اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ فَيَلْزَمُهُ إنْ مَاتَ بِهِ) أَيْ بِالْجِرَاحِ (الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِهَا) أَيْ الْجِرَاحَةِ (وَقِيمَتُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (وَعَلَى الْعَتِيقِ بَاقِي الدِّيَةِ) إنْ كَانَ لَا عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِمَا مَرَّ.
(وَإِنْ مَاتَ) جَرِيحٌ (بِجِرَاحَةٍ خَطَأً، وَقَدْ ارْتَدَّ جَارِحُهُ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فَالْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجُرْحِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْبَاقِي) مِنْ الدِّيَةِ إنْ كَانَ (فِي مَالِهِ) فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَالْبَاقِي فِي مَالِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جُرِحَ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ إذْ لَا عَاقِلَةَ لِلْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الرِّدَّةُ) مِنْ الْجَارِحِ (بَيْنَ إسْلَامِيُّهُ) ، وَقَبْلَ مَوْتِ الْجَرِيحِ (فَهَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ جَمِيعُ الدِّيَةِ) اعْتِبَارًا بِالطَّرَفَيْنِ (أَمْ) عَلَيْهِمْ (أَرْشُ الْجُرْحِ، وَالزَّائِدُ) عَلَيْهِ (فِي مَالِهِ) لِحُصُولِ بَعْضِ السِّرَايَةِ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ فَتَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلتَّحَمُّلِ (قَوْلَانِ) قَالَ الرَّبِيعُ: أَصَحُّهُمَا عِنْدِي الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ إنْ عَادَ قَرِيبًا، وَعَلَيْهِ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ اعْتِبَارِ كَوْنِ الْعَاقِلَةِ أَوْلِيَاءً لِلنِّكَاحِ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ، وَعَلَى الثَّانِي جَرَى الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(فَإِنْ فُقِدَتْ الْعَاقِلَةُ أَوْ أَعْسَرُوا، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَفُوا بِوَاجِبِ الْحَوْلِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ) عَنْ الْجَانِي الْمُسْلِمِ كَمَا يَرِثُهُ وَلِخَبَرِ «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» (لَا عَنْ ذِمِّيٍّ، وَمُرْتَدٍّ) كَمَا لَا يَرِثُهُمَا، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَا لَهُمَا فَيْءٌ (بَلْ) تَجِبُ الدِّيَةُ (فِي مَالِهِمَا مُؤَجَّلَةً فَإِنْ مَاتَا حَلَّتْ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَالْمُسْتَأْمَنُ فِي ذَلِكَ كَالذِّمِّيِّ.
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَاقِلَةِ) ، وَهِيَ خَمْسٌ التَّكْلِيفُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَاتِّفَاقُ الدِّينِ (فَلَا يَعْقِلُ صَبِيٌّ، وَمَعْتُوهٌ، وَفَقِيرٌ، وَإِنْ اعْتَمَلَ) أَيْ اكْتَسَبَ (وَرَقِيقٌ) ، وَمُبَعَّضٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَامْرَأَةٌ، وَخُنْثَى) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ، وَإِنْ مَلَكَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ (فَلَوْ بَانَ) الْخُنْثَى (ذَكَرًا غَرِمَ حِصَّتَهُ) الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَغْرِسُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْمُؤَدِّي، وَيَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى الْمُسْتَحِقِّ (، وَلَا) يَعْقِلُ (مُسْلِمٌ عَنْ ذِمِّيٍّ، وَ) لَا (عَكْسُهُ) لِمَا مَرَّ (، وَيَتَعَاقَلُ يَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ) أَيْ عَقَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا يَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) يَتَعَاقَلُ (ذِمِّيٌّ، وَمُعَاهَدٌ بَقِيَ عَهْدُهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ) وَاعْتَبَرَ الْأَصْلُ زِيَادَةَ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَى الْأَجَلِ فَخَرَجَ بِهِ مَا إذَا نَقَصَتْ عَنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَمَا إذَا سَاوَتْهُ تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضِي، وَيَكْفِي فِي تَحَمُّلِ كُلِّ حَوْلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا (لَا حَرْبِيٍّ) فَلَا يَعْقِلُ عَنْ ذِمِّيٍّ، وَلَا مُعَاهَدٍ، وَلَا يَعْقِلَانِ عَنْهُ، وَإِنْ اتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا لِانْقِطَاعِ الْمُنَاصَرَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدَّارِ (وَإِذَا فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ) بِأَنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ (فَعَلَى الْجَانِي) الضَّمَانُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي جَرَى الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
، (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْسَرُوا) أَوْ عُدِمَتْ أَهْلِيَّةُ تَحَمُّلِهِمْ لِفَقْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ: عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ) تَصْدِيقُ الْإِمَامِ كَتَصْدِيقِ الْعَاقِلَةِ حَتَّى يَجِبَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَذَّبَهُ وَجَبَ فِي مَالِ الْجَانِي (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْمَنُ) أَيْ وَالْمُعَاهَدُ
[الطَّرَفُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْعَاقِلَةِ]
(قَوْلُهُ: وَمُبَعَّضٌ) كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ، قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ إلَخْ فِيمَا عُلِّلَ أَنَّهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُقَيِّدُوا الْمُنَاصَرَةَ بِالظُّهُورِ، وَالْمُنَاصَرَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ كَمَا فِي الْهَرَمِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْ بَيْتِهِ وَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ طُولَ عُمُرِهِ. ش قَوْلُهُ: وَيَتَعَاقَدُ ذِمِّيٌّ، وَمُعَاهَدٌ أَيْ، وَمُسْتَأْمَنٌ قَوْلُهُ: بَقِيَ عَهْدُهُ مُدَّةَ الْأَجَلِ بِأَنْ زَادَ أَيْ الْعَهْدُ عَلَى مُدَّتِهِ قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ الْمُنَاصَرَةِ بَيْنَهُمَا بِاخْتِلَافِ الدَّارِ؛ وَلِأَنَّ التَّغْرِيمَ تَضْمِينٌ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ مَا يُتْلِفُهُ قَرِيبُهُ أَوْلَى قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ: بِأَنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ أَيْ، وَلَوْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ ظُلْمًا أَوْ كَانَ ثَمَّ مَصْرِفٌ أَهَمُّ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ مَنَعَ صَاحِبُ الشَّوْكَةِ دَفْعَ الْعَقْلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ كَمَا لَوْ امْتَنَعَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ دَفْعِ الْعَقْلِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا مِنْ الْجَانِي، قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: فِي شَرْحِهِ، وَهَاتَانِ فَائِدَتَانِ لَا تَسَعُ الْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِمَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُونَوِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إذَا مُنِعَتْ أَخَذَتْ الدِّيَةَ مِنْ الْجَانِي، قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي وَيُنَزَّلُ مَنْعَ الظُّلْمَةِ مَنْزِلَةَ الْفَقْدِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ حَيْلُولَةَ الظُّلْمَةِ دُونَ أَمْوَالِهِ كَفَقْدِهِ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَكَذَا يَنْبَغِي لَوْ لَمْ يَحُولُوا دُونَهَا، وَلَكِنْ ثَمَّ مَصْرِفٌ أَهَمُّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ