للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَتَكَرَّرُ عَادَةً فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ فِيهَا كَالْمُعْسِرِ جَعْلُهُ كَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُكَلَّفُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ عَادَةً وَبِأَنَّ زَمَنَ الصَّوْمِ هُنَا يَطُولُ فَيَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ وَبِأَنَّ الْمُظَاهِرَ يَنْتَقِلُ بِعَجْزِهِ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فَإِذَا لَمْ يُكَفِّرْ السَّفِيهُ بِالْمَالِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَدَّى إلَى إضْرَارِهِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ، ثُمَّ قَالَ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي الظِّهَارِ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْقَتْلِ وَالْمُخْرِجُ لَهُ وَلِيُّهُ وَالنَّاوِي هُوَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ.

وَمَا حَكَاهُ الْجُورِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَوْ ظَاهَرَ بِصَوْمٍ غَرِيبٍ لَا يُعْرَفُ فِي الظِّهَارِ وَلَعَلَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ وَجَدَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَأَلْحَقَ بِهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، ثُمَّ قَرَنَ هَذَا بِذَاكَ حَتَّى حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (فَيَعْتِقُ) الْمَذْكُورُ (عِنْدَ خِدْمَتِهِ) إنْ كَانَتْ فَاضِلًا عَمَّا يَأْتِي لِلْآيَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) هُوَ (مَرِيضًا) أَوْ زَمِنًا (أَوْ كَبِيرًا أَوْ ضَخْمًا) ضَخَامَةً تَمْنَعُهُ مِنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ (أَوْ ذَا مَنْصِبٍ) يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُكَلَّفُ إعْتَاقَهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِعِتْقِهِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ وَإِنَّمَا يَفُوتُ بِهِ نَوْعُ رَفَاهِيَةٍ (وَيَشْتَرِيهَا) أَيْ الرَّقَبَةَ (بِفَاضِلٍ عَنْ كِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ) مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ (وَ) عَنْ (أَثَاثٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْمُعْتَبَرُ (فِي) الْكِفَايَةِ كِفَايَةُ (السَّنَةِ لَا) كِفَايَةُ (الْعُمُرِ) لِأَنَّ الْمُؤْنَاتِ تَتَكَرَّرُ فِيهَا وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ تُقَدَّرَ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ وَأَنْ تُقَدَّرَ بِسَنَةٍ وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِيَ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ كَمَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ (وَعَنْ مَسْكَنٍ) يَحْتَاجُهُ وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَاضِلًا عَمَّا ذَكَرَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ شَرْعًا كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْحَجِّ وَفِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْفَقِيهِ لَا تُبَاعُ فِي الْحَجِّ وَلَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَفِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ خَيْلَ الْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ تَبْقَى لَهُ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا بَلْ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَبِبَيْعِ) وُجُوبًا (فَاضِلِ دَارِهِ الْوَاسِعَةِ إنْ أَمْكَنَ) بَيْعُهُ مَعَ سُكْنَى الْبَاقِي إذْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا عُسْرَ، وَكَلَامُهُ كَثِيرٌ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَأْلُوفَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا (وَإِنْ حَصَلَ الْغَرَضَانِ) أَيْ غَرَضُ اللُّبْسِ وَغَرَضُ التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ (بِبَيْعِ ثَوْبٍ نَفِيسٍ) لَا يَلِيقُ بِالْمُكَفِّرِ (وَجَبَ الْبَيْعُ) وَالْإِعْتَاقُ.

(وَكَذَا) الْحُكْمُ (فِي عَبْدٍ وَدَارٍ نَفِيسَيْنِ) إذَا حَصَلَ غَرَضَا الْخِدْمَةِ وَالْإِعْتَاقِ فِي الْعَبْدِ وَغَرَضَا السُّكْنَى وَالْإِعْتَاقِ فِي الدَّارِ (لَا مَأْلُوفَيْنِ) فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ بَعْضِهِمَا لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَفِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ كَانَا مَأْلُوفَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ وَكَالْعَبْدِ فِيمَا ذَكَرَ الْأَمَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ خَادِمٌ وَلَا مَسْكَنٌ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ (وَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ) يَتَّجِرُ فِيهِ (أَوْ مَاشِيَةٍ رِيعُهَا) أَيْ رِيعُ كُلٍّ مِنْهَا (قَدْرُ كِفَايَتِهِ) أَيْ كِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ فَقَطْ أَيْ لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهَا لِتَحْصِيلِ رَقَبَةٍ يَعْتِقُهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى حَاجَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ أَشَدُّ مِنْ مُفَارِقَةِ الدَّارِ وَالْعَبْدِ الْمَأْلُوفَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْحَجِّ مَا مَرَّ آنِفًا (وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى) قَدْرِ (كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِهَا) أَيْ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ (وَلَوْ تَيَسَّرَتْ) أَيْ الزِّيَادَةُ أَيْ جَمْعُهَا (لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَوْ مَا قَارَبَهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِهَا لِلْعِتْقِ (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الرَّقَبَةُ (قَبْلَ صِيَامِهِ وَجَبَ الْعِتْقُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ

(فَرْعٌ) لَوْ (غَابَ مَالُ الْمُكَفِّرِ) عَنْهُ (أَوْ) حَضَرَ لَكِنْ (فُقِدَتْ الرَّقَبَةُ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَأَنْ لَمْ يَجِدْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ (لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا) إلَى الصَّوْمِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ يَحْضُرَ الْمَالُ (وَلَوْ فِي) كَفَّارَةِ (الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَأُخِذَتْ) أَيْ الرَّقَبَةُ (مِنْ التَّرِكَةِ) وَلَا نَظَرَ إلَى تَضَرُّرِهِ فِي الظِّهَارِ بِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ مُدَّةَ الصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَ نَفْسَهُ فِيهِ وَقِيلَ يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِتَضَرُّرِهِ بِعَدَمِ الْعُدُولِ وَالتَّصْرِيحِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ عَلَى الدَّوَامِ صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَأَحْسَبُهُ إجْمَاعَ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ هُنَا بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ هُنَا الْكِفَايَةَ الَّتِي يَحْرُمُ مَعَهَا أَخْذُ الزَّكَاةِ فَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَجْهٌ فِي اعْتِبَارِ كِفَايَةِ السَّنَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بَعْدَ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُ ضَيْعَةٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهَا عَنْ كِفَايَتِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مَسْكَنٍ يَحْتَاجُهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَفَّرُوا بِالصَّوْمِ وَلَهُمْ مَسَاكِنُ يَأْوُونَ إلَيْهَا فَهُوَ إجْمَاعٌ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ مَنْ صَامَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَقَدْ أَبْعَدَ (قَوْلُهُ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الْحَجَّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَرْعٌ غَابَ مَالُ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَوْ حَضَرَ لَكِنْ فُقِدَتْ الرَّقَبَةُ]

(قَوْلُهُ فَرْعٌ لَوْ غَابَ مَالُ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ إلَخْ) شَمَلَ مَا لَوْ اقْتَضَتْ الْغَيْبَةُ عَدَّهُ مُعْسِرًا حَتَّى يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَمِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَحَتَّى تُفْسَخَ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ النِّكَاحِ وَحَتَّى لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ عَلَى الْأَصَحِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَأَخْذُهُ الزَّكَاةَ لِحَاجَةٍ تَخْتَصُّ بِمَكَانِهِ وَفَارَقَ الْمُتَمَتِّعَ فَإِنَّهُ يَصُومُ، فَإِنَّ مَكَانَ الدَّمِّ مَكَّةُ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ بِهَا وَمَكَانَ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ مُطْلَقًا وَكَتَبَ أَيْضًا وَإِنَّمَا فُسِخَتْ زَوْجَتُهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ لِتَضَرُّرِهَا وَبَائِعُهُ لِتَضَرُّرِهِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ عَنْهُ وَالْكَفَّارَةُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى تَعْجِيلِهَا وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمَشْهُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>