الْبُخَارِيُّ وَخَبَرِ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ يُرْوَى سَبْقُ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرًا وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَى السَّابِقِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرْكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ قَدْ عَصَى»
(وَفِيهِ بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي السَّبَقِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّأَهُّبُ لِلْقِتَالِ وَبِهَذَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا يَجُوزُ السَّبَقُ وَالرَّمْيُ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَهْلًا لِلْحَرْبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ عَائِشَةَ سَابَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (وَالْأَصْلُ) فِي السَّبَقِ (الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ الْمَرْكُوبَةُ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهَا الَّتِي يُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا وَتَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ رَاكِبِ الْإِبِلِ السَّهْمَ الزَّائِدَ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ فِي الْخَيْلِ مِنْ الِانْعِطَافِ وَالِالْتِوَاءِ وَسُرْعَةِ الْإِقْدَامِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الْإِبِلِ وَخَرَجَ بِالْمَرْكُوبَةِ غَيْرُهَا كَالصَّغِيرَةِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَاَلَّذِي تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْلِ قِيلَ الَّذِي يُسْهَمُ لَهُ، وَهُوَ الْجَذَعُ أَوْ الثَّنْيُ وَقِيلَ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَرْكُوبَةِ فِي الْإِبِلِ وَتَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ فِي الْخَيْلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (وَيَجُوزُ) السَّبْقُ (عَلَى الْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالرَّمْيُ بِأَنْوَاعِ الْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ) وَلَوْ بِمِسَلَّاتٍ وَإِبَرٍ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ (وَكَذَا الْمَزَارِيقُ) ، وَهِيَ الرِّمَاحُ الْقَصِيرَةُ (وَالزَّانَاتُ) بِالزَّايِ وَالنُّونِ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا رَأْسٌ دَقِيقٌ وَحَدِيدَتُهَا عَرِيضَةٌ تَكُونُ مَعَ الدَّيْلَمِ وَهُمْ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَسْلِحَةٌ يَرْمِي بِهَا وَيَبْتَغِي بِهَا الْإِصَابَةَ كَالسِّهَامِ (وَرَمْيُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَالْمِقْلَاعِ وَالْمَنْجَنِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ بِخِلَافِ إشَالَتِهِ بِالْيَدِ وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ وَبِخِلَافِ الْمُرَامَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ أَوْ السَّهْمَ إلَى الْآخَرِ وَتُسَمَّى الْمُدَاحَاةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَعَانِ فِي الْحَرْبِ (وَالتَّرَدُّدُ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ وَحِذْقٍ (وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالسِّبَاحَةُ) فِي الْمَاءِ (وَالزَّوَارِقُ وَالْبَقَرُ) وَنَحْوُهَا كَالْكِلَابِ (وَالطُّيُورُ وَالصِّرَاعُ وَالْمُشَابَكَةُ) بِالْيَدِ وَكُلُّ مَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ كَلِعْبِ شِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ وَكُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَرَمْيٍ بِبُنْدُقٍ وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ وَمَعْرِفَةِ مَا فِي يَدٍ مِنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ (فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَابَقَ هُوَ وَعَائِشَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ» وَقِيسَ بِهِ الْبَقِيَّةُ أَمَّا بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوَارِقَ سَبْقُهَا بِالْمَلَّاحِ لَا بِمَنْ يُقَاتِلُ فِيهَا وَالتَّجْوِيزُ بِلَا عِوَضٍ فِي الْبَقَرِ وَالتَّرْجِيحُ فِي الْمُشَابَكَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ (لَا) عَلَى (مُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ) فَلَا تَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا سَفَهٌ وَكَذَا عَلَى الْغَطْسِ فِي الْمَاءِ إلَّا إنْ جَرَتْ عَادَةٌ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ الشَّرْطُ
(الثَّانِي مَعْرِفَةُ الْمَوْقِفِ) الَّذِي يَجْرِيَانِ مِنْهُ (وَالْغَايَةُ) الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ (وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا) فَلَوْ شَرَطَا تَقَدُّمَ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمَ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسِ وَجَوْدَةِ سَيْرِ الْفَرَسِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ السَّبَقَ حِينَئِذٍ لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الْفَرَسِ (فَلَوْ أَهْمَلَا الْغَايَةَ وَشَرَطَ أَنَّ الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ) مِنْهُمَا (أَوْ عَيَّنَا الْغَايَةَ وَقَالَا إنْ اتَّفَقَ السَّبَقُ فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ لِوَاحِدٍ) مِنَّا (كَانَ فَائِزًا بِالسَّبَقِ لَمْ يَصِحَّ) أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُمَا قَدْ يُدِيمَانِ السَّيْرَ حِرْصًا عَلَى الْمَالِ فَيُتْعَبَانِ وَتَهْلِكَ الدَّابَّةُ وَلِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ فِي قُوَّةِ السَّيْرِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبَعْدَهُ فَتَعَيَّنَتْ الْمَعْرِفَةُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا السَّبَقَ فِي خِلَالِ الْمَيْدَانِ لَاعْتَبَرْنَاهُ بِلَا غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ قَدْ يُسْبَقُ ثُمَّ يَسْبِقُ وَالْعِبْرَةُ بِآخِرِ الْمَيْدَانِ (وَلَوْ قَالُوا) الْأَنْسَبُ قَالَا بَعْدَ أَنْ عَيَّنَا غَايَةَ السَّبَقِ (إلَى هَذِهِ) الْغَايَةِ (فَإِنْ تَسَاوَيَا) فِيهِ (فَإِلَى غَايَةٍ) أُخْرَى (بَعْدَهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا) بَيْنَهُمْ (جَازَ) لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ
(الثَّالِثُ) فِيمَا إذَا عَقَدَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَى السَّابِقِ) وَالثَّانِيَةُ أَثْبَتُ
[الْبَاب الْأَوَّلُ فِي السَّبَقِ]
[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِ السَّبَقِ]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ أَهْلًا لِلْحَرْبِ) مِثْلُهُنَّ الْخُنَاثَى وَتَعَقَّبَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا التَّعْلِيلَ وَقَالَ بَلْ هُنَّ أَهْلٌ لِلْحَرْبِ وَلَكِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَالرَّمْيِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ مُطْلَقًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْإِبِلُ الْمَرْكُوبَةُ) بِأَنْ يَعْتَادَ الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَتَرْجِيحُ اعْتِبَارِهِ فِي الْخَيْلِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ) رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّبَقُ عَلَى الْفِيلِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) وَقَيَّدَهَا الْبُلْقِينِيُّ بِمَا يُعْتَادُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا لَا تُظْهِرُ فَرُوسِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَالصِّرَاعِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَسَبَقَ قَلَمُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَضَبَطَهُ بِضَمِّهَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَرَمْيٍ بِبُنْدُقٍ) تَبِعَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ جَوَازُهُ وَحَكَاهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْخَذْفِ» ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَذْفَ الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ وَنَحْوِهَا بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ وَلَا تَحْصُلُ بِهِ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ بِخِلَافِ رَمْيِ الْبُنْدُقِ بِالْقَوْسِ فَإِنَّ فِيهِ نِكَايَةً كَنِكَايَةِ الْمِسَلَّةِ فَيُرَجَّحُ فِيهِ الْجَوَازُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَبُنْدُقِ الرَّمْيِ بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْحُكْمِ السَّابِقِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِهِ عَنْ قَوْسِهِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَبَالَغَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لَكِنْ الْمَنْقُولُ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا الْتِقَافٌ فَلَا نَقْلَ فِيهِ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالَةِ الْمُسَابَقَةِ وَقَدْ يَمْنَعُ خَشْيُهُ فَسَادَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ د وَقَوْلُهُ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute