ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ (لَا) حَمْلُ (مُكَاتَبِهِ) الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (قَهْرًا) لِظُهُورِ اسْتِقْلَالِهِ
(وَإِنْ أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ لَمْ يُبَعْ) بَلْ يَبْقَى التَّدْبِيرُ لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ وَالْوَلَاءِ وَلَكِنْ يُخْرَجُ مِنْ يَدِهِ وَيُجْعَلُ بِيَدِ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عَنْهُ (وَيَسْتَكْسِبُ لَهُ) كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلِدَتُهُ (فَإِنْ لَحِقَ) سَيِّدُهُ (بِدَارِ الْحَرْبِ) أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَ (بَعَثَ بِفَاضِلِ كَسْبِهِ لَهُ) ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْوَرَثَةِ بِيعَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ مُكَاتَبٌ لِكَافِرٍ لَمْ يُبَعْ) بَلْ يَبْقَى مُكَاتَبًا لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ السَّيِّدِ عَنْهُ وَاسْتِقْلَالِهِ بِالْكِتَابَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ النُّجُومِ وَعَجَّزَهُ سَيِّدُهُ (بِيعَ) عَلَيْهِ (وَلَا يَسْرِي التَّدْبِيرُ) مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِنَصِيبِهِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ) الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ فَلَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ إمَّا وَصِيَّةٌ بِالْعِتْقِ أَوْ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَعِيدٌ عَنْ السِّرَايَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِيلَادِ حَيْثُ يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ كَالْإِتْلَافِ لِمَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ (وَلَا) يَسْرِي (الْعِتْقُ بِهِ) أَيْ بِالتَّدْبِيرِ لِنَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ (وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُ نَصِيبِهِ بِصِفَةٍ إذَا وُجِدَتْ وَهُوَ مُوسِرٌ) عَتَقَ وَ (سَرَى) الْعِتْقُ (إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ) .
(وَيَرْتَفِعُ التَّدْبِيرُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ) عَنْ الْمُدَبَّرِ (كَبَيْعٍ) بَتٍّ أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي (وَهِبَةٍ بِقَبْضٍ وَوَصِيَّةٍ) سَوَاءٌ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا أَمْ مُقَيَّدًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَرَوَى الْحَاكِمُ خَبَرًا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا سَجَرَتْهَا وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ جَعْلَ الْوَصِيَّةِ مُزِيلَةً لِلْمِلْكِ بِمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّا بِالْقَبُولِ لَهَا تَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَهُ مِلْكٌ بِالْمَوْتِ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ تَرَتُّبِ الْمُعْتَقِ بِالتَّدْبِيرِ عَلَى الْمَوْتِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (لَا اسْتِخْدَامٍ وَتَزْوِيجٍ وَوَطْءٍ) ، وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بَلْ تُؤَكِّدُ (فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ) التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدَّيْنُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَيَرْفَعُهُ الْأَقْوَى كَمَا يَرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ وَلَا يَرْفَعُ التَّدْبِيرُ الْإِيلَادَ بَلْ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَمَا مَرَّ
(فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرُ (لَمْ يَبْطُلْ) تَدْبِيرُهُ (فِي الْبَاقِي) مِنْهُ وَذِكْرُ الْبَيْعِ وَالنِّصْفِ مِثَالٌ (وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ) بِالْعِتْقِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَوْتِ الْغَيْرِ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إحْدَاثِ تَصَرُّفٍ أَوْ قَبُولٍ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ (فَلَا يُبْطِلُهُ فَسْخٌ) لَهُ (وَلَا رُجُوعٌ) عَنْهُ (بِلَفْظٍ) كَرَجَعْتُ عَنْهُ أَوْ أَبْطَلْته أَوْ فَسَخْته أَوْ رَفَعْته كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالْفَسْخُ دَاخِلٌ فِي الرُّجُوعِ كَمَا صَنَعَ الْأَصْلُ.
(وَلَا يَعُودُ) التَّدْبِيرُ (بِعَوْدِ الْمِلْكِ) بَعْدَ زَوَالِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ.
(وَقَوْلُهُ أَعْتِقُوا عَبْدِي) عَنِّي (إذَا مِتُّ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهَا بِالْقَوْلِ لَا إنْ) ضَمَّ إلَى الْمَوْتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الْعِتْقَ صِفَةً أُخْرَى كَأَنْ (قَالَ إذَا مِتُّ وَدَخَلْت الدَّارَ) أَوْ لَبِسْت الثَّوْبَ (فَأَنْت حُرٌّ) فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ
(وَلَا يُبْطِلُهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ (هِبَةٌ بِلَا قَبْضٍ) لِعَدَمِ إزَالَةِ الْمِلْكِ (وَلَا) يُبْطِلُهُ (رَهْنٌ) وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ لِذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ) كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا (وَيَجْتَمِعَانِ) أَيْ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ فِيهِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا (كَمَا فِي تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَجْتَمِعُ فِيهِ التَّعْلِيقُ بِهَا وَالتَّدْبِيرُ كَعَكْسِهِ وَفِي نُسْخَةٍ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ (وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ) مِنْ الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ أَوْ وُجُودِ الصِّفَةِ (فَإِنْ) أَدَّى النُّجُومَ أَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَإِنْ (مَاتَ السَّيِّدُ) قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُودِ الصِّفَةِ (عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ) أَوْ التَّعْلِيقُ بِالصِّفَةِ، وَقَوْلُهُ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا الَّذِي جَرَى هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا لَاحِقَةٌ وَفِيمَا يَأْتِي سَابِقَةٌ (فَإِنْ عَجَزَ) فِي صُورَةِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ لَا حَمْلُ مُكَاتَبِهِ قَهْرًا) هَذَا فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَالظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ غ
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ مُدَبَّرٌ وَسَيِّدُهُ كَافِرٌ لَمْ يُبَعْ) ، وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ
(قَوْلُهُ وَلَا يَسْرِي التَّدْبِيرُ إلَى نَصِيبِ الشَّرِيكِ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا يُؤْخَذُ مِنْهَا ذَلِكَ وَمَا لَوْ دَبَّرَ الْمَالِكُ نِصْفَ عَبْدِهِ لَمْ يَسْرِ إلَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ جَزَمَ فِي التَّنْبِيهِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ التَّدْبِيرِ]
(الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ التَّدْبِيرِ) (قَوْلُهُ وَيَرْتَفِعُ التَّدْبِيرُ إلَخْ) لَوْ دُبِّرَ، ثُمَّ خَرِسَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ أَوْ جُنَّ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ رَجُلٍ دَبَّرَ عَبْدَهُ فَحَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ حَكَمَ بِمَنْعِ بَيْعِهِ فِي صُورَةٍ لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ فِي الصُّورَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ فِي بَيْعِهِ نَقْضُ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُفِيدُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجَبِ مَا لَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ الْمُوهَبِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ
(قَوْلُهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى وَجْهٍ) وَهُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي هَذِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مُجَرَّدُ وُجُودِ الصِّفَةِ وَهُوَ عِتْقٌ لَا إعْتَاقٌ وَفِي تِلْكَ التَّعْلِيقُ وَوُجُودُ الصِّفَةِ وَهُوَ إعْتَاقٌ وَكَتَبَ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا مِثْلُهَا