للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَحَلِّ الْفَصْدِ (فَمَاتَ) مِنْ ذَلِكَ (فَالْقَوَدُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا سَوَاءٌ مَنَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْعَصَبِ ابْتِدَاءً أَمْ إعَادَةً كَأَنْ عَصَبَهُ الْمُفْتَصِدُ فَحَلَّهُ رَجُلٌ وَمَنَعَهُ آخَرُ مِنْ إعَادَةِ الْعَصْبِ حَتَّى مَاتَ.

(وَلَوْ رَمَى) شَخْصٌ (أَحَدَ الْجَمَاعَةِ) مُبْهِمًا فَجَرَحَ وَاحِدًا مِنْهُمْ جِرَاحَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْجَنِيقِ.

(وَيُقْطَعُ الثَّدْيُ بِالثَّدْيِ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَدَلَّ (وَالْحَلَمَةُ بِالْحَلَمَةِ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَطْرَافِ (لَا حَلَمَةُ امْرَأَةٍ بِحَلَمَةِ رَجُلٍ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ حَلَمَةَ الرَّجُلِ لَا تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ. .

[كِتَابُ الدِّيَاتِ وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ]

[الْبَاب الْأَوَّلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ]

(كِتَابُ الدِّيَاتِ) جَمْعُ دِيَةٍ وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَأَصْلُهَا وَدِيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْيِ، وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَّةِ مِنْ الْوَعْدِ وَالزِّنَةِ مِنْ الْوَزْنِ تَقُولُ وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً إذَا أَدَّيْت دِيَتَهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} [النساء: ٩٢] وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَفِيهِ سِتَّةُ أَبْوَابٍ. الْأَوَّلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) الذَّكَرِ غَيْرِ الْجَنِينِ (مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ) عِشْرُونَ (مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ، وَ) عِشْرُونَ (مِنْ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَ) عِشْرُونَ مِنْ بَنِي (لَبُونٍ، وَ) عِشْرُونَ مِنْ (حِقَاقٍ) وَعِشْرُونَ مِنْ (جِذَاعٍ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالُوا، وَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا قِيلَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ الْإِنَاثُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً (وَالْمُغَلَّظَةُ فِي الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ مُثَلَّثَةٌ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) أَيْ حَامِلًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ فِي الْعَمْدِ وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي شِبْهِهِ بِذَلِكَ وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ جَمْعُهَا مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَابْنُ سِيدَهْ خِلْفَاتٌ.

(وَتُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ) فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ لِعِظَمِ حُرْمَتِهَا وَلَا يُلْتَحَقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي ذَلِكَ التَّوْقِيفُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] وَالظُّلْمُ فِي غَيْرِهِنَّ مُحَرَّمٌ أَيْضًا، وَقَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧] وَلَا يُشْكَلُ ذَلِكَ بِنَسْخِ حُرْمَةِ الْقِتَالِ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرْمَةِ بَاقٍ كَمَا أَنَّ دِينَ الْيَهُودِ نُسِخَ وَبَقِيَتْ حُرْمَتُهُ (وَ) فِي (حَرَمِ مَكَّةَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أَمْ أَحَدُهُمَا، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ، وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ (أَوْ فِي) قَتْلِ (ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) لِعِظَمِ حُرْمَةِ الرَّحِمِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمُ بِمُصَاهَرَةٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَبِالْمَحْرَمِ ذُو الرَّحِمِ غَيْرُ الْمَحْرَمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَلَوْ رَمَى شَخْصٌ أَحَدَ الْجَمَاعَةِ مُبْهِمًا) بِأَنْ رَمَى إلَى شَخْصَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَقَصَدَ إصَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ إصَابَةَ أَيْ وَاحِدٍ كَانَ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْجَنِيقِ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ ثَمَّ، وَكَذَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمْ. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الْجَمَاعَةِ مَقْصُودٌ فِي هَذِهِ لِتَعْيِينٍ فِيهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَيِّ وَاحِدٍ وَمَدْلُولُ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ إذْ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَكَتَبَ أَيْضًا أَلَّا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْجَمَاعَةِ قَدْ قَصَدَهُ هُنَا الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَأَيُّ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَاكَ فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ إصَابَةَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ

(كِتَابُ الدِّيَاتِ) . لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِصَاصِ شَرَعَ فِي الدِّيَةِ وَأَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ (قَوْلُهُ: دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إلَخْ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: الذَّكَرُ) أَيْ الْمَحْقُونُ الدَّمِ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ بِقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَتَارِكِ صَلَاةٍ عَلَى مَنْ يُهْدَرَانِ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَاتِلِ رِقٌّ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ أَوْ مُكَاتَبًا، وَلَوْ لَهُ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةُ أَوْ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ بِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ الرَّقِيقُ الْأَقَلُّ مِنْ حِصَّةِ الدِّيَةِ وَحِصَّةِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ إلَخْ) «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي دِيَةِ الْخَطَأِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» فَذَكَرُوهُ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذَكَرٍ بَدَلَ بَنِي لَبُونٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِقَاقِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ إجْزَاءَ عِشْرِينَ حِقًّا وَعِشْرِينَ جَذَعًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحِقَاقُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَالْجِذَاعُ مُخْتَصَّةٌ بِالذُّكُورِ، وَجَمْعُ الْجَذَعَةِ جَذَعَاتٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُغَلَّظَةُ فِي الْعَمْدِ إلَخْ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا مُمَيِّزًا (قَوْلُهُ: مُثَلَّثَةٌ) ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَحَدِ الْأَقْسَامِ أَكْثَرَ.

(قَوْلُهُ: وَيُغَلَّظُ بِالْخَطَأِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا (قَوْلُهُ: ذِي الْقَعْدَةِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي عَدِّهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ إنَّ الْأَخْبَارَ تَظَافَرَتْ بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَالْقَافُ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ مَفْتُوحَةٌ وَالْحَاءُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا وَالْمُحَرَّمُ اخْتَصَّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ دُونَ سَائِرِ الشُّهُورِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أُمَّ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَوْ الْمَجْرُوحَ فِي الْحَرَمِ فَخَرَجَ إلَى الْحِلِّ، وَمَاتَ فِيهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا فِي الْحِلِّ كَمَا فِي الصَّيْدِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَذَاكَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَلَا تَغْلِيظَ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ فِيهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّغْلِيظِ ثُبُوتُ زِيَادَةِ الْأَمْنِ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ غَيْرُ مُمَكَّنٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّغْلِيظُ بِالْقَتْلِ فَالْجِرَاحُ فِي الْحَرَمِ مُغَلَّظَةٌ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ إلَخْ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَا مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>