وَالْعَمُّ وَالْعَمَّةُ (ذُكُورًا، وَإِنَاثًا) ، وَارِثِينَ وَغَيْرَ وَارِثِينَ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْفُرُوعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأُصُولِ قَوْله تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَخَبَرُ «أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْفُرُوعِ بِجَامِعِ الْبَعْضِيَّةِ، وَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ بَلْ هُمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمْ أَعْظَمُ، وَالْفُرُوعُ بِالتَّعَهُّدِ، وَالْخِدْمَةِ أَلْيَقُ وَبِالْجُمْلَةِ تَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الدَّيْنُ فَتَجِبُ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ وَعَكْسُهُ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ بِأَنَّهُ مُوَالَاةٌ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ وَيُسْتَثْنَى الْمُرْتَدُّ، وَالْحَرْبِيُّ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ (فِيمَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ يَوْمَهُ، وَلَيْلَتَهُ) الَّتِي تَلِيهِ سَوَاءٌ أَفَضَلَ بِالْكَسْبِ أَمْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا وُجُوبَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِلْمُوَاسَاةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» ، وَفِي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِالْحَاجَةِ كَانَ أَوْلَى، وَفِي مَعْنَى زَوْجَتِهِ خَادِمُهَا وَأُمُّ وَلَدِهِ (وَيُبَاعُ فِيهَا مِلْكُهُ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ لَا بَدَلَ لَهُ (كَالدَّيْنِ) ؛ وَلِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ وَمِلْكُهُ يُبَاعُ فِيهِ فَفِيمَا هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى (فَإِنْ كَانَ) مِلْكُهُ (عَقَارًا اُقْتُرِضَ عَلَيْهِ قَدْرٌ) يَسْهُلُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْعَقَارِ لَهُ (ثُمَّ يُبَاعُ لَهُ) لِمَا فِي بَيْعِ كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا بِقَدَرِ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَقِيلَ يُبَاعُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ ذَلِكَ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَلْيُرَجَّحْ هُنَا وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ قَالَ أَوْ الصَّوَابُ قَالَ، وَلَا يَنْبَغِي قَصْرُ ذَلِكَ عَلَى الْعَقَارِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي إلَّا الْجَمِيعَ وَتَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ بِيعَ الْجَمِيعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْطِيرِ.
(وَيَلْزَمُهُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ ذُو كَسْبٍ يُمَكِّنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ مَا يَفْضُلُ عَنْهُ ذَلِكَ (الِاكْتِسَابُ لِقَرِيبِهِ وَزَوْجَتِهِ كَنَفْسِهِ) لِخَبَرِ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ؛ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَهِيَ بِالْمَالِ وَيُفَارِقُ الدَّيْنَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الِاكْتِسَابُ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ، وَالنَّفَقَةُ يَسِيرَةٌ.
(وَلَا تَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِغَنِيٍّ، وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) وَزَمِنًا (وَلَا فَقِيرَ يَكْتَسِبُ) كِفَايَتَهُ لِاغْتِنَائِهِ بِكَسْبِهِ فَإِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ دُونَ كِفَايَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ خَاصَّةً وَقُدْرَةُ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ عَلَى النِّكَاحِ لَا تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ لَا نِهَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ فَلَوْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا إلَى أَنْ تَفْسَخَ لِئَلَّا تَجْمَعَ بَيْنَ نَفَقَتَيْنِ
(فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا (أَوْ كَانَ) قَادِرًا عَلَيْهِ لَكِنْ (لَا يَلِيقُ بِهِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَاجِزٌ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ الصَّحِيحَ الْمُشْتَغِلَ عَنْ الْكَسْبِ بِالصَّرْفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَمَصْلَحَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ (فَلَوْ قَدَرَ) عَلَيْهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ (وَجَبَتْ) أَيْ النَّفَقَةُ (لِلْأَصْلِ لَا الْفَرْعِ) لِعَظْمِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ؛ وَلِأَنَّ فَرْعَهُ مَأْمُورٌ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ، وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَرْجِيحُ وُجُوبِهَا لِلْأَصْلِ فِيمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَبِهِ أَجَابَ جَمَاعَةٌ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ ثُمَّ قَالَ فَبَانَ لَك أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ لِمُكْتَسِبٍ أَصْلًا كَانَ أَوْ فَرْعًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّ النَّصَّ يَقْتَضِي مَا ذُكِرَ فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ لَهُ فِيهِ نَصَّيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا جَدِيدَانِ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (حَمْلُ الصَّغِيرِ عَلَى الِاكْتِسَابِ) إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ (فَإِنْ تَرَكَ) الصَّغِيرُ الِاكْتِسَابَ (فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَوْ هَرَبَ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ) عَلَى وَلِيِّهِ.
[فَصْلٌ لَا تَقْدِيرَ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ]
(فَصْلٌ: لَا تَقْدِيرَ لَهَا) أَيْ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ (بِغَيْرِ الْكِفَايَةِ) فَلَا يَتَقَدَّرُ إلَّا بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَتُعْتَبَرُ الْحَاجَةُ وَقَدْرُهَا (فَلِطِفْلٍ إرْضَاعُ حَوْلَيْنِ) أَيْ مُؤْنَةُ إرْضَاعِهِ فِيهِمَا (وَفَطِيمٍ) أَيْ وَلِفَطِيمٍ (وَنَحْوِهِ) كَشَيْخٍ أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (لَائِقٌ بِهِ فَإِنْ ضَيَّفَ) مَثَلًا (الْقَرِيبَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَارِثِينَ وَغَيْرِ وَارِثِينَ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِالْقَرَابَةِ الْمَحْضَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعْصِيبُ فَشَمَلَهُمْ كَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ) إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُمَا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الِابْنَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَبٍ إسْمَاعِيلِيٍّ مُصِرٍّ عَلَى إلْحَادِهِ كَمَا لَا يَبْذُلُ الْمَاءَ لِلْمُرْتَدِّ الْعَطْشَانِ، وَكُلِّ مَنْ يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِيمَا فَضَلَ عَنْ قُوتِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ) فِي حُكْمِ زَوْجَتِهِ أُمُّ وَلَدِهِ وَخَادِمَةُ زَوْجَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ) قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا نَفَقَةُ أَحَدٍ مِنْ الْأَقْرِبَاءِ حَتَّى يَفْضُلَ مِنْ مُؤْنَتِهِ مِنْ طَعَامِهِ وَمَلْبَسِهِ وَمَسْكَنِهِ وَطَيْلَسِهِ وَمَا يَنَامُ عَلَيْهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي وُضُوئِهِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَا لَا غِنًى لِمِثْلِهِ عَنْهُ فَإِنْ وَقَعَ لَهُ خَلَلٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلَا يُكَلَّفُ نَفَقَةَ ابْنٍ، وَلَا أَبٍ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَالْمُوَاسَاةُ إنَّمَا تَلِيقُ بِمَنْ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ مَا مَعَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلْمُوَاسَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ لِقَرِيبِهِ إلَخْ) لَا سُؤَالُ النَّاسِ، وَلَا قَبُولُ عَطِيَّتِهِمْ
(قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ عَلَى النِّكَاحِ لَا تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَدَرَ وَامْتَنَعَ إلَخْ) ذَكَرُوا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ لَكِنْ يَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ، وَلَوْ اكْتَسَبَ لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ كِفَايَتُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ ظَاهِرٌ