وَقَضِيَّةُ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ فِي الْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَحَقِّ الْمَمَرِّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ يُخَالِفُهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا كَالسَّلَمِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِمُدَّةٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ
(وَإِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ) سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَالِكُ مَوْقُوفٌ أَمْ لَا (حَتَّى يَتَفَرَّقَا) أَوْ يَخْتَارَ اللُّزُومَ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شِرَاءِ الْجُمْدِ وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرِّ) بِحَيْثُ يَنْمَاعُ بِهَا (لَا فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعِتْقِ كَالْكِتَابَةِ وَالتَّرْجِيحُ فِيهَا وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلشِّرَاءِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَقَطْ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ بَيْعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يُشْبِهُ الْفِدَاءَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ وَفِي الصُّورَتَيْنِ يَتَبَعَّضُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ابْتِدَاءً (وَيَثْبُتُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ فَقَطْ) أَيْ دُونَ قِسْمَتَيْ الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ سَوَاءٌ جَرَتَا بِإِجْبَارٍ أَمْ بِتَرَاضٍ وَسَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُمَا فِي حَالَةِ التَّرَاضِي بَيْعٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا وَالْإِجْبَارُ يُنَافِي الْخِيَارَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا بَيْعٌ تَبَعًا فِيهِ تَرْجِيحُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ ثُبُوتُ الْخِيَارِ (وَلَوْ شَرَطَا نَفْيَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَطَلَ الْبَيْعُ) لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ (وَلَوْ قَالَ) لِعَبْدِهِ (إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ فَبَاعَهُ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ) بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ الْخِيَارِ لَا يُعْتَقُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ
(فَصْلٌ وَيَنْقَطِعُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (إمَّا بِالتَّخَايُرِ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (نَحْوَ تَخَايَرْنَا الْعَقْدَ أَوْ اخْتَرْنَاهُ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ) أَوْ أَمْضَيْنَاهُ أَوْ اخْتَرْنَا إبْطَالَ الْخِيَارِ أَوْ إفْسَادَهُ (فَلَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا (لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْقَائِلِ وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ صَاحِبُهُ) لِتَضَمُّنِهِ الرِّضَا بِاللُّزُومِ وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا لُزُومَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ وَاحْتَمَلَ تَبْعِيضَ الْخِيَارِ لِوُقُوعِهِ دَوَامًا (وَالْفَسْخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِجَازَةِ) فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَ الْآخَرُ قُدِّمَ الْفَسْخُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قَصَدَ بِهِ التَّمَكُّنَ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا (وَتَبَايُعِهَا فِي الْعِوَضَيْنِ) وَلَوْ رِبَوِيَّيْنِ (بَعْدَ الْقَبْضِ) لَهُمَا بَيْعًا ثَانِيًا (إجَازَةٌ) لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِلُزُومِهِ وَيَصِحُّ الثَّانِي وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ (وَلَوْ أَجَازَا فِي الرِّبَوِيِّ) وَتَفَرَّقَا (قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَقَدْ سَبَقَ) بَيَانُهُ (فِي الرِّبَا) عِبَارَةُ الْأَصْلِ هُنَا وَلَوْ أَجَازَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَلْغُو الْإِجَارَةُ فَيَبْقَى الْخِيَارُ وَالثَّانِي يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا يَأْثَمَانِ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُفَارَقَةِ أَثِمَ وَرَجَحَ فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي.
(وَإِمَّا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَلَوْ أَقَامَا) فِيهِ (مُدَّةً أَوْ تَمَاشَيَا مَرَاحِلَ فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا) وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ وَيَحْصُلُ بِأَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْآخَرُ فِيهِ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ التَّخَايُرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ قَامَ يَمْشِي هُنَيَّةَ ثُمَّ رَجَعَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لَهُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ الْحِلِّ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ (فَإِنْ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
أَعْيَانٍ فَبَعُدَ عَنْ الْغَرَرِ (قَوْلُهُ ثُبُوتُهُ فِي الْبَيْعِ الْوَارِدِ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ) وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْخِيَارِ اسْمُ الْمَبِيعِ (قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
(قَوْلُهُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا وَجَهِلَ الْبَائِعُ إعْسَارَهُ (قَوْلُهُ دُونَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاضِحٌ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَحْضُ افْتِدَاءٍ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْحُرِّيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَوَقَعَ بَيْعًا فِي حَقِّهِ بَاطِنًا كَالْبَائِعِ (قَوْلُهُ وَفِي الصُّورَتَيْنِ يَتَبَعَّضُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ابْتِدَاءً) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ ضَابِطُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا يَتَبَعَّضُ ابْتِدَاءً فَيَثْبُتُ لِوَاحِدٍ دُونَ الْآخَرِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ أَحَدِهِمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ اعْتَرَفَ بِحُرِّيَّتِهِ الثَّانِيَةِ فِي الشُّفْعَةِ إذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالْمُصَحَّحُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ. اهـ. وَإِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ عَلَى وَجْهٍ
[فَصْلٌ يَنْقَطِعُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِالتَّخَايُرِ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ]
(قَوْلُهُ إمَّا بِالتَّخَايُرِ) أَيْ طَوْعًا (قَوْلُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِجَازَةِ) أَيْ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَجَازَ فِي الرِّبَوِيِّ إلَخْ) السَّلَمُ وَإِجَارَةُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَرَجَحَ فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا إذْ الْإِجَازَةُ تُفَرَّقُ حُكْمًا وَقَوْلُهُ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا أَطْلَقَ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ فِي الْخَادِمِ عَنْ النَّصِّ وَصَوَّبَهُ أَنَّ تَفَرُّقَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي بَيْعِ الرِّبَا قَبْلَ التَّقَابُضِ لَا يَكْفِيهِمَا فِي مَنْعِ الْإِثْمِ كَمَا يَأْثَمَانِ بِالْعَقْدِ مَعَ التَّفَاضُلِ فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّقَابُضُ وَأَرَادَا التَّفَرُّقَ لَزِمَهُمَا أَنْ يَتَفَاسَخَا قَبْلَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الرِّبَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَهُوَ كَالتَّفَرُّقِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّ التَّخَايُرَ كَالتَّفَرُّقِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَبْطُلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى يَدًا بِيَدٍ (قَوْلُهُ وَأَمَّا بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا إلَخْ) وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute