للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَبِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا وَسَيَأْتِي عَنْ الْبَحْرِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ.

(وَيُبَاعُ) وُجُوبًا (جُزْءُ عَبْدِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ فِيهَا) أَيْ فِي فِطْرَتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُخْرِجُ مِنْهُ كَمَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَبِخِلَافِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ لَزِمَتْ) أَيْ الْفِطْرَةُ (الذِّمَّةَ بِيعَ فِيهَا) وُجُوبًا (عَبْدُ الْخِدْمَةِ) وَالْمَسْكَنُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ وَإِنْ لَمْ يُبَاعَا فِيهَا ابْتِدَاءً لِالْتِحَاقِهَا بِالدُّيُونِ (وَلَوْ فَضَلَ) مَعَهُ عَمَّا لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ (بَعْضُ صَاعٍ أَخْرَجَهُ) وُجُوبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَمُحَافَظَةً عَلَى الْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُخَالِفُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ وَلِأَنَّ لَهَا بَدَلًا بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا (فَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ كُلُّ مَنْ يُمَوِّنُهُ مَعَهُ (بَدَأَ بِفِطْرَةِ نَفْسِهِ) وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» (ثُمَّ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ (ثُمَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ يَأْتِي وَنَفَقَتُهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (ثُمَّ الْأَبِ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ (ثُمَّ الْأُمِّ كَذَلِكَ) عَكْسُ مَا فِي النَّفَقَاتِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلِلتَّطْهِيرِ وَالشَّرَفِ وَالْأَبُ أَوْلَى بِهَذَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ قَالَ وَمُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ أَصْلُ التَّرْتِيبِ لَا كَيْفِيَّتُهُ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْحَاجَةُ فِي الْبَابَيْنِ (ثُمَّ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ) ثُمَّ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ مِنْهُ وَعَلَاقَتَهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ ثُمَّ بِالْمُدَبَّرِ ثُمَّ بِالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ) فِي الدَّرَجَةِ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ (تَخَيَّرَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا النَّقْصَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ.

[فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ]

(فَصْلٌ وَالْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعٌ) مِمَّا يَأْتِي (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لِمَنْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ) بِالْبَغْدَادِيِّ (وَهِيَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) لِمَا مَرَّ فِي زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ مَعَ ذِكْرِ أَنَّ الْأَصْلَ الْكَيْلُ وَإِنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّرُوهُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا (عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَزْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحُبُوبِ) كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي ذَلِكَ (الْكَيْلُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَعِيَارُهُ) أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّ عِيَارَهُ (مَوْجُودٌ فَإِنْ فُقِدَ فَالْوَزْنُ تَقْرِيبٌ وَيَحْتَاطُ الْمُخْرِجُ) فِي كَلَامِهِ تَسَمُّحٌ وَإِيهَامٌ وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْكَيْلَ فَاعْتِبَارَ الْوَزْنِ تَقْرِيبٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ الصَّاعُ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدٍّ لَهُمَا وَقَدَّمْت فِي الصَّاعِ كَلَامًا فِي زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ فَرَاجِعْهُ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الصَّاعِ أَنَّ النَّاسَ يَمْتَنِعُونَ غَالِبًا مِنْ التَّكَسُّبِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَا وَهِيَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ.

(فَرْعٌ كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ صَالِحٌ لِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ كَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَكَذَا الْجُبْنُ وَاللَّبَنُ بِالزُّبْدِ) فِيهِمَا (كَالْأَقِطِ) بِزُبْدَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَذَلِكَ لِثُبُوتِ بَعْضِ الْمُعَشَّرِ وَالْأَقِطِ فِي الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيسَ بِهِمَا الْبَاقِي وَالْأَقِطُ لَبَنٌ يَابِسٌ وَعَلَّلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إجْزَاءَهُ بِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ مُتَوَلِّدٌ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُكَالُ فَكَانَ كَالْحَبِّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَيُبَاعُ جُزْءُ عَبْدِ غَيْرِ الْخِدْمَةِ فِيهَا) وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا وَسَيِّدُهُ مُعْسِرٌ فَهَلْ يُبَاعُ مِنْهُ جُزْءٌ بِقَدْرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا يُبَاعُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّانِي لَا بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّالِثُ يَتَحَاصَّانِ وَقَوْلُهُ فَهَلْ يُبَاعُ مِنْهُ جُزْءٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا) فَإِنَّهَا عُهِدَ تَبْعِيضُهَا فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ إلَخْ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ لِلرِّجَالِ آكَدُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَيُشَرَّفُ بِشَرَفِهِ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ الشَّرَفِ ذُهُولٌ عَجِيبٌ فَإِنَّا لَوْ رَاعَيْنَاهُ لَمْ نُقَدِّمْ فِطْرَةَ الِابْنِ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ فَدَلَّ عَلَى إلْحَاقِهَا بِالنَّفَقَةِ فِي تَقْدِيمِ الْأَحْوَجِ. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ اعْتِرَاضَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْإِشْرَافِ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ هُوَ الْعَجِيبُ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ كَبَعْضِ الْوَالِدِ فَكَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ فَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ فِطْرَةُ مَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ الِابْنُ بَعْضًا مِنْ الْأَبِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا إلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ قَوِيَ جَانِبُ الْأَبِ فَقُدِّمَ (قَوْلُهُ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ أَيْ الصَّغِيرَ كَبَعْضِ وَالِدِهِ فَقُدِّمَ كَهُوَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ مِنْهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ الْكَيْلُ) يُتَّجَهُ فِي الْجُبْنِ تَعَيُّنُ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ وَعِيَارُهُ مَوْجُودٌ) وَهُوَ قَدَحَانِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ وَيَزِيدَانِ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ

[فَرْعٌ كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ صَالِحٌ لِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ]

(قَوْلُهُ وَاللَّبَنُ) وَلَا يُجْزِئُ مِنْ اللَّبَنِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ صَاعٌ مِنْ الْأَقِطِ لَا فَرْعٌ عَنْ الْأَقِطِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَصْلِهِ كَذَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ مُتَوَلِّدٌ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ لَبَنِ الظَّبْيَةِ وَالضَّبُعِ وَالْآدَمِيَّةِ إذَا جَوَّزْنَا شُرْبَهُ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا وَيُتَّجَهُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>