للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ فَقَالَ لِلْغُلَامِ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبِي قَالَ: فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَسْتَسْبِبْ لَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ» وَمَعْنَى لَا تَسْتَسْبِبْ لَهُ لَا تَفْعَلْ فِعْلًا تَتَعَرَّضُ فِيهِ لَأَنْ يَسُبَّك بِهِ زَجْرًا لَكَ وَتَأْدِيبًا وَيُقَاسُ بِالْأَبِ غَيْرُهُ.

(وَأَنْ يُكَنِّيَ أَهْلَ الْفَضْلِ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى قَالَ فَاكْتَنِي بِابْنِك عَبْدِ اللَّهِ» قَالَ الرَّاوِي يَعْنِي بِابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهَا أَسْمَاءَ وَسَوَاءٌ أَكُنِّيَ الرَّجُلُ بِأَبِي فُلَانٍ أَمْ بِأَبِي فُلَانَةَ وَالْمَرْأَةُ بِأُمِّ فُلَانٍ أَمْ بِأُمِّ فُلَانَةَ وَتَجُوزُ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ الْآدَمِيِّينَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الْمَكَارِمِ وَأَبِي الْفَضَائِلِ وَأَبِي الْمَحَاسِنِ (لَا بِأَبِي الْقَاسِمِ) فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّكَنِّي بِهِ بَلْ يَحْرُمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» وَسَيَأْتِي فِيهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَزِيدُ الْكَلَامِ (، وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا فَاسِقٌ، وَلَا مُبْتَدِعٌ؛ لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ (إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ) مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ (أَوْ تَعْرِيفٍ) كَمَا قِيلَ بِهِ فِي: قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَقِيلَ: ذَكَرَهُ بِكُنْيَتِهِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ حَيْثُ جُعِلَ عَبْدًا لِلصَّنَمِ وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ كَانَتْ الْكُنْيَةُ أَقْوَى بِحَالِهِ (، وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ لِأَخٍ لِأَنَسٍ صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُكَنِّيَ الرَّجُلُ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ (بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ) فَقَدْ «كُنِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي الْقَاسِمِ بِابْنِهِ الْقَاسِم وَكَانَ أَكْبَرَ بَنِيهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَمَالِيهِ وَكَنَّاهُ جِبْرِيلُ أَبَا إبْرَاهِيمَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ لَمَّا وَفَدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ لِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي حَكَمْت بَيْنَهُمْ فَيَرْضَى كِلَا الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَك مِنْ الْوَلَدِ؟ قَالَ: لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ قُلْت شُرَيْحٌ قَالَ فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» (وَالْأَدَبُ) لِلْإِنْسَانِ (أَنْ لَا يُكَنِّيَ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا إنْ كَانَتْ) أَيْ الْكُنْيَةُ (أَشْهَرَ مِنْ الِاسْمِ) أَوْ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَقِيلَ: هِنْدُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ» وَخَبَرُهُمَا أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ «قَالَ جَعَلْت أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت أَبُو ذَرٍّ» .

(وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُهُ بِمَا يَكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ) مَا لُقِّبَ بِهِ (فِيهِ) كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْمَى قَالَ تَعَالَى {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: ١١] أَيْ لَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ وَمِنْ ذَلِكَ تَرْخِيمُ الِاسْمِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ (وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ) اللَّقَبَ الْمَذْكُورَ (بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ) لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا بِهِ.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُفَّ الصِّبْيَانَ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنْ يُخَمِّرَ) أَيْ يُغَطِّيَ (الْآنِيَةَ، وَلَوْ بِشَيْءٍ كَعُودٍ يُعْرَضُ عَلَيْهَا وَ) أَنْ (يُوكِيَ الْقِرَبَ وَ) أَنْ (يُغْلِقَ الْبَابَ) وَأَنْ يَكُونَ فَاعِلُ ذَلِكَ (مُسَمِّيًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي الثَّلَاثَةِ وَأَنْ يُطْفِئَ الْمِصْبَاحَ عِنْدَ النَّوْمِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيَكُمْ وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ» وَجُنْحُ اللَّيْلِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا ظَلَامُهُ وَتَعْرُضُوا بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا أَيْ تَجْعَلُوهُ عَرْضًا وَفَوَاشِيَكُمْ جَمْعُ فَاشِيَةٍ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ الْمَالِ كَالْبَهَائِمِ، وَفَحْمَةُ الْعِشَاءِ ظُلْمَتُهَا.

[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

(كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: ٩٦] وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] (إنَّمَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ) الْبَرِّيُّ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ (بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ) ، وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ (أَوْ اللَّبَّةُ) (وَفِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ) ، وَلَوْ مُتَرَدِّيًا فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي (يُجْزِئُ الْعَقْرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (وَهُوَ الْجَرْحُ الْمُزْهِقُ) لِلرُّوحِ (الْمَقْصُودُ) كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ.

(وَلَهُ) أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الذَّبْحِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ) أَفْرَدَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ بِالسَّهْمِ وَبِالْجَوَارِحِ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَحِلُّ الْحَيَوَانُ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَمْ تَكُنْ فِي حَلْقِهِ، وَلَبَّتِهِ ثَانِيهَا إذَا خَرَجَ رَأْسُ الْجَنِينِ فَذُبِحَتْ الْأُمُّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ ثَالِثُهَا - الصَّيْدُ بِثِقَلِ الْجَارِحَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ رَابِعُهَا - السَّمَكُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي الْحُلْقُومِ أَوْ اللَّبَّةِ) الْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّوَصُّلَ بِهِ إلَى إخْرَاجِ الرُّوحِ مِنْ الْبَهِيمَةِ أَسْرَعُ وَأَخَفُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>