وَالرَّبِيعِ كَانَا يَحْفَيَانِ شَوَارِبَهُمَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَا ذَلِكَ عَنْهُ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيَّ وَزَعَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَيْدٌ فِي الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ (وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (عَنْهَا) أَيْ الْحَاجَةِ (وَ) تَأْخِيرُهَا (إلَى بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ) كَرَاهَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَنَسًا قَالَ وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ «وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَدَلَ لَيْلَةً» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَإِنْ أَخَّرُوهَا فَلَا يُؤَخِّرُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهَا إلَى الْأَرْبَعِينَ.
(وَ) أَنْ (يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ) جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا وَذَلِكَ لِخَبَرِ «عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَالِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ وَالْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ» (وَ) أَنْ يَغْسِلَ (مَعَاطِفَ الْآذَانِ وَصِمَاخَهَا) فَيُزِيلَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَسَخِ بِالْمَسْحِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُزِيلُهُ بِالْغَسْلِ (وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ) فَيَغْسِلُ دَاخِلَهُ تَنْظِيفًا لَهُ كَالْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُ (تَيَامُنًا فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا.
(وَأَنْ يُخَضِّبَ الشَّيْبَ) أَيْ الشَّعْرَ الشَّائِبَ (بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ نَعَمْ إنْ فَعَلَهُ تَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَمُتَّبِعِي السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ صَحِيحَةٍ كُرِهَ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَهُوَ) أَيْ خِضَابُ الشَّيْبِ (بِالسَّوَادِ حَرَامٌ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ وَالثَّغَامَةَ» بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ لَهُ ثَمَرٌ أَبْيَضُ وَعَبَّرَ مَعَ هَذَا فِي الْأَصْلِ عَنْ الْغَزَالِيِّ بِالْكَرَاهَةِ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ قَالَ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (إلَّا لِلْمُجَاهِدِ) فِي الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ بِإِظْهَارِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ.
(وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ) وَنَحْوِهِ (لِلرَّجُلِ حَرَامٌ) لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ» (إلَّا لِعُذْرٍ) فَلَا بَأْسَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فِي بَابَيْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ احْتِيَاطًا
(وَيُسْتَحَبُّ فَرْقُ الشَّعْرِ) أَيْ شَعْرِ الرَّأْسِ (وَتَرْجِيلُهُ) أَيْ تَمْشِيطُهُ بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُلَيِّنُهُ وَيُرْسِلُ ثَائِرَهُ وَيَمُدُّ مُنْقَبِضَهُ (وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» .
(وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ زِيُّ الْيَهُودِ، وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ، وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَاحْتُجَّ لِذَلِكَ فِيهِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ لِيَحْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ لِيَدَعْهُ كُلَّهُ» قَالَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ.
(وَ) يُكْرَهُ (نَتْفُهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ وَحُسْنِ الصُّورَةِ (وَنَتْفُ الشَّيْبِ) لِمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَاسْتِعْجَالُهُ) أَيْ الشَّيْبِ (بِالْكِبْرِيتِ) أَوْ غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ وَإِظْهَارًا لِعُلُوِّ السِّنِّ لِأَجْلٍ الرِّيَاسَةِ (وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَ) جَانِبَيْ (شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَتَشْعِيثُهَا) إظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِنَفْسِهِ (وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ) لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ (وَالنَّظَرُ فِي سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا) وَافْتِخَارًا (وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ مِنْ الصُّدْغِ وَالنَّقْصُ مِنْهَا) لِئَلَّا يُغَيِّرَ شَعْرَهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ فَقِيلَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبِضَ عَلَيْهَا وَيَقُصَّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَلِخَبَرِ: أَعْفُوا اللِّحَى قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى تَقْصِيصِهَا وَتَدْوِيرِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ فَإِنَّ الطُّولَ الْمُفْرِطَ قَدْ يُشَوَّهُ الْخِلْقَةَ (، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ) ، وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا يَرُدُّ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «قُصُّوا سَبَالَاتِكُمْ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» .
(وَيُسْتَحَبُّ لِوَلَدِهِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ شَيْخُنَا ذِكْرُ الْوَالِدِ فِي شَرْحِهِ لِلزَّيْدِ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ نَتْفُهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ إلَخْ وَمِثْلُهُ حَلْقُهَا فَقَوْلُ الْحَلِيمِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ لِحْيَتَهُ، وَلَا حَاجِبَيْهِ ضَعِيفٌ