بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا (وَلَا) بَيْعُ (مَائِعٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَوْ دُهْنًا وَمَاءً وَصَبْغًا) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجَسِ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ بَيْعُهُ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ كَمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ» وَلَا أَثَرَ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِالْمُكَاثَرَةِ لِأَنَّهُ كَالْخَمْرِ يُمْكِنُ طُهْرُهُ بِالتَّخَلُّلِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِالصَّبْغِ الْمُتَنَجِّسِ فِي صَبْغِ شَيْءٍ بِهِ وَإِنْ طَهُرَ الْمَصْبُوغُ بِهِ بِالْغُسْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مَعَ أَنَّهُ يَطْهُرُ الْمَصْبُوغُ بِهِ بِالْغُسْلِ) وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ مَائِعٍ مُتَنَجِّسٍ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْآجِرِ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ فَسَادُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ تَبَعًا لِلطَّاهِرِ مِنْهَا كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ فَاغْتُفِرَ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ وَيَنْزِلُ كَلَامُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْآجِرِ مُنْفَرِدًا أَمَّا بَيْعُ مُتَنَجِّسٍ يُمْكِنُ طُهْرُهُ بِالْغُسْلِ كَثَوْبٍ تَنَجَّسَ بِمَا لَا يَسْتُرُ شَيْئًا مِنْهُ فَيَصِحُّ (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْقَزِّ وَفِيهِ الدُّودُ) وَلَوْ مَيِّتًا لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَالْحَيَوَانِ بِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةِ وَيُبَاعُ جُزَافًا وَزْنًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَالدُّودُ فِيهِ كَنَوَى التَّمْرِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَا يَجُوزُ وَزْنًا وَحُمِلَ عَلَى بَيْعِهِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ وَفَرَّقَ بِأَنَّ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ وَالْجَهَالَةُ مَعَهَا تَقِلُّ بِخِلَافِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ سَلَمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ وَالْغَرَرَ وَمَعَهُ يَكْثُرُ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (بِزْرِ الْقَزِّ) وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ (وَ) بَيْعُ (فَأْرَةِ الْمِسْكِ) بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالدُّهْنِ) الْمُتَنَجِّسِ (لِلِاسْتِصْبَاحِ) بِهِ مَثَلًا عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ لَا التَّمْلِيكِ (جَازَ) وَكَالتَّصَدُّقِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَكَالدُّهْنِ الْكَلْبُ وَالسِّرْقِينَ وَنَحْوُهُمَا (وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِمَنْ يَصِيدُ) بِهِ (أَوْ يَحْفَظُ بِهِ نَحْوَ الْمَاشِيَةِ) كَزَرْعٍ وَدَرْبٍ وَشَجَرٍ وَنَفْسِهِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ (لَا قَبْلَ شِرَائِهَا) أَيْ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوِهَا يَعْنِي تَمَلُّكَهَا فَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ مَالِكِهَا لِيَحْفَظَهَا بِهِ إذَا مَلَكَهَا وَلَا غَيْرَ صَيَّادٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْفَهْدِ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا (وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ) الَّذِي يُتَوَقَّعُ تَعْلِيمُهُ (لِذَلِكَ) أَيْ لِلصَّيْدِ وَلِحِفْظِ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا وَالْجَرْوُ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَلَدُ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَ) يَجُوزُ (اقْتِنَاءُ السِّرْجِينَ لِلزِّرَاعَةِ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ
(الشَّرْطُ الثَّانِي الِانْتِفَاعُ) بِهِ شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَعَدَمِ نَفْعِهِ (إمَّا لِقِلَّتِهِ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَزَبِيب) وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذَلِكَ إلَى مِثْلِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي الْفَخِّ وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُهُ (وَيَجِبُ الرَّدُّ) لَهُ (فَإِنْ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ) إذْ لَا مَالِيَّةَ وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْخِلَالِ وَالْخِلَالَيْنِ مِنْ خَشَبِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ عَلَى عِلْمِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ (وَإِمَّا لِخَسَّتِهِ كَالْحَشَرَاتِ) وَهِيَ صِغَارٌ وَدَوَابُّ الْأَرْضِ كَالْخُنْفُسَاءِ (وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ) وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي الْخَوَاصِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا وَبِمَا قَرَّرَتْهُ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ كَالْحَشَرَاتِ شَامِلٌ لِلْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ فَذَكَرَهُمَا بَعْدَهُ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ (لَا الْعَلَقِ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ (لِلِامْتِصَاصِ) أَيْ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ (وَبَيْعُ غَيْرِ الْجَوَارِحِ) الْمُعَلَّمَةِ (مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ)
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَلَوْ دُهْنًا) فَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الدُّهْنِ الْأَكْلُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مَعَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الثَّوْبِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ مَوْجُودٌ مَعَ النَّجَاسَةِ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ صِحَّةُ بَيْعِ دُهْنِ بِزْرِ الْكَتَّانِ وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِخِلَافِهِ (فَرْعٌ) السُّكَّرُ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي قُبَيْلَ بَابِ السَّلَمِ بِأَوْرَاقٍ قَالَ شَيْخُنَا صُورَتُهُ أَنَّهُ تَنَجَّسَ قَبْلَ طَبْخِهِ وَانْعِقَادِهِ.
(قَوْلُهُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ بِالْمُكَاثَرَةِ) وَالْكَثِيرُ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ يَطْهُرُ الْمَصْبُوغُ بِهِ بِالْغَسْلِ) لِعُسْرِ التَّطْهِيرِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ فَيَصِيرُ عُسْرُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ كَعُسْرِ أَخْذِ السَّمَكِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذٍ مِنْهُ إلَّا بِاحْتِمَالِ تَعَبٍ شَدِيدٍ وَكَعُسْرِ أَخْذِ الطَّائِرِ مِنْ الدَّارِ الْفَجَّاءِ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِتَعَبٍ شَدِيدٍ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الْمَنْعُ وَعُلِمَ أَنَّ الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِنَجَسٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلتَّسَتُّرِ بِهِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ صِحَّتَهُ (قَوْلُهُ كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ) أَيْ وَالْعَرْصَةِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُ طُهْرُهُ بِالْغُسْلِ) وَلَوْ مَعَ التُّرَابِ (فَرْعٌ) الْأَرْضُ الْمُسَمَّدَةُ بِالْعَذِرَةِ وَالنَّجَاسَاتِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا إلَّا بِإِزَالَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ السَّمَادُ مِنْهَا وَالطَّاهِرُ مِنْهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ صِحَّةُ بَيْعِهَا كَذَلِكَ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فَاغْتُفِرَ أَوْ بِالضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَحُمِلَ عَلَى بَيْعِهِ فِي الذِّمَّةِ) لِأَنَّ الْوَزْنَ إذَا كَانَ لَا يَزِيدُ الْمَبِيعَ جَهَالَةً لَمْ يَمْتَنِعْ إلَّا فِي بَابِ الرِّبَا فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَكِيلَ وَزْنًا لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ الْقَزُّ بِرِبَوِيٍّ وَلَيْسَ الْعِلَّةُ فِيهِ جَهَالَةَ الْمَقْصُودِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَالدُّودُ الَّذِي فِي بَطْنِهِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ نَوَى التَّمْرِ فَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ جُزَافًا وَوَزْنًا كَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا شُوهِدَ مِنْ الْقَزِّ جُزَافًا وَوَزْنًا وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مَجْهُولًا (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ إلَخْ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَسْلِ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّدْرِيبِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يَقْتَضِيهِ
[الشَّرْطُ الثَّانِي الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ]
(قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا نَفْعَ بِهِ) كَالْحِمَارِ الزَّمَنِ (قَوْلُهُ كَحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ وَزَبِيبٍ) لِكَوْنِهِمَا لَا قِيمَةَ لَهُمَا فَلَا يُعَدَّانِ مَالًا فِي الْعُرْفِ أَيْ يُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ دَعْوَى الْإِسْنَوِيِّ التَّنَاقُضُ بِمَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ كَالْحَشَرَاتِ) أَمَّا الْحَشَرَاتُ الْمَأْكُولَةُ كَالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَابْنِ عُرْسٍ وَالدُّلْدُلِ وَالْقُنْفُذِ وَالْوَبَرِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا (قَوْلُهُ لَا الْعَلَقُ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute