للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَكْفِي) فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ (مُتَمَوِّلٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: ٣٣] وَلَا يَخْتَلِفُ أَيْ الْوَاجِبُ بِحَسَبِ الْمَالِ قِلَّةً وَكَثْرَةً (وَيُسْتَحَبُّ رُبْعٌ وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ بِهِ نَفْسُهُ (فَسَبْعٌ) رَوَى النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحُطُّ عَنْ الْمُكَاتَبِ قَدْرَ رُبْعِ كِتَابَتِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ رَفْعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَحَطَّ عَنْهُ سُبْعَهَا خَمْسَةَ آلَافٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَقِيَ بَيْنَهُمَا السُّدُسُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَتِي دِرْهَمٍ قَالَ فَأَتَيْته بِمُكَاتَبَتِي فَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَمُرَادُهُ بَقِيَ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالْخُمْسُ أَوْلَى مِنْ السُّدُسِ وَالثُّلُثُ أَوْلَى مِنْ الرُّبْعِ وَمِمَّا دُونَهُ (وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ) عَنْهُ شَيْئًا (وَأَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) أَيْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ كَأَنْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ (لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] قَالَ الرَّافِعِيُّ يُرِيد بِهِ مَال الْكِتَابَةِ (وَيَجُوزُ) قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَاوَضَاتِ (أَوْ) أَعْطَاهُ (مِنْ جِنْسِهِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَجَبَ قَبُولُهُ) كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعَانَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِذَلِكَ (فَإِنْ مَاتَ) السَّيِّدُ (وَلَمْ يُؤْتِهِ) شَيْئًا (لَزِمَ الْوَرَثَةَ) إنْ كَانُوا مُكَلَّفِينَ (أَوْ الْوَلِيَّ) إنْ كَانُوا غَيْرَ مُكَلَّفِينَ الْإِيتَاءَ (فَإِنْ كَانَ النَّجْمُ بَاقِيًا تَعَيَّنَ) الْوَاجِبُ فِي الْإِيتَاءِ (مِنْهُ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ (وَقُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ) لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ (وَإِنْ تَلِفَ) النَّجْمُ (قُدِّمَ) الْوَاجِبُ (عَلَى الْوَصَايَا) كَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَالزَّائِدُ) عَلَيْهِ (مِنْ الْوَصَايَا، وَإِنْ بَقِيَ) عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ النُّجُومِ (قَدْرُهُ) أَيْ قَدْرُ الْوَاجِبِ (فَلَا تَقَاصَّ) قَالُوا لِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَطَّ أَصْلًا فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا تَعْجِيزَ) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيزُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ فَيَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِهِ.

(فَصْلٌ) لَوْ (أَدَّى) النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا (قَبْلَ الْمَحَلِّ أَوْ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الْعَقْدِ (لَزِمَ) السَّيِّدَ (قَبُولُهُ) لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا فِيهِ وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَوْ تَقْرِيبُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ بِالْأَدَاءِ سَقَطَ (إلَّا إنْ تَضَرَّرَ) فِي قَبُولِهِ (بِلُحُوقِ مُؤْنَةٍ) لَهُ كَالْحَيَوَانِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ (أَوْ) بِلُحُوقِ (خَوْفٍ تَغَيُّرٍ أَوْ نَهْبٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (وَإِنْ أَنْشَأَهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ (فِي زَمَنِ نَهْبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَزُولُ) عِنْدَ الْمَحَلِّ وَلِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الضَّرَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا.

(وَإِنْ أَحْضَرَهُ فِي الْمَحَلِّ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا ضَرَرَ) عَلَى السَّيِّدِ فِي قَبُولِهِ (وَقَدْ غَابَ) أَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ (قَبَضَ الْقَاضِي عَنْهُ) وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ وَالْمُمْتَنِعِينَ (وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ إلَّا سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَالنَّظَرُ لِلْغَائِبِ أَنْ يَبْقَى الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيِّ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ (وَإِنْ أَتَى) إلَى سَيِّدِهِ (بِنَجْمٍ فَقَالَ لَا أَقْبِضُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ) أَيْ لَيْسَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَيَكْفِي مُتَمَوَّلٌ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا مِنْ الْفَضَلَاتِ فَإِنَّ إيتَاءَ فَلْسٍ عَلَى مَنْ كُوتِبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تَبْعُدُ إرَادَتُهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَالَ أَيْضًا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَاتَبَا عَبْدَهُمَا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ بِالْكِتَابَةِ، وَلَوْ كَاتَبَ بَعْضَ عَبْدٍ بَاقِيه حُرٌّ أَوْ وَصَّى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ وَكُوتِبَ ذَلِكَ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ مَا يَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ الْكَامِلَةِ قَطْعًا وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَاللَّازِمُ لَهُمْ مَا كَانَ يَلْزَمُ مُوَرِّثَهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَحْطُوطِ مَعْلُومًا، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى بَعِيرَيْنِ فِي نَجْمَيْنِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِ حَطِّ بَعِيرٍ كَامِلٍ وَلَا دَفْعِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ، وَفِي تَكْلِيفِهِ حَطّ جُزْءٍ مِنْهُ أَوْ دَفْعَهُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى وَتَحْصِيلُ شِقْصٍ عَزِيزٍ وَضَرَرُ الشَّرِكَةِ بَيِّنٌ فَكَيْفَ الْحَال فِي مِثْلِ هَذَا وَكَيْفَ يَكُونُ الْإِيتَاءُ إذَا كَانَتْ النُّجُومُ مَنَافِعَ غَيْرَ نَفْسِهِ؟ غ وَيَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ يُجْزِئُهُ هُنَا الْإِيتَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا قِيلَ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ) فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَلِمَ لَا تَحْصُلُ الْمُقَاصَّةُ وَيَعْتِقُ؟ قُلْنَا الْعِتْقُ مُعَلَّقٌ بِالْأَدَاءِ وَلَمْ يَحْصُلْ (قَوْلُهُ حَتَّى يَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِهِ) بِأَنْ يُلْزِمَ السَّيِّدَ بِالْإِيتَاءِ وَالْمُكَاتَبَ بِالْأَدَاءِ وَيَحْكُمَ بِالتَّقَاصِّ لِلْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ التَّقَاصُّ بِنَفْسِ اللُّزُومِ ع.

[فَصْلٌ أَدَّى النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا قَبْلَ الْمَحَلِّ أَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ فِي الْكِتَابَة]

(قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ) لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي امْتِنَاعِهِ مِنْهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْأَغْرَاضِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ نَقْدًا لَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ كَانَ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَهُ لِئَلَّا تَتَعَلَّقَ بِهِ الزَّكَاةُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ وَذَكَرُوا فِيمَا إذَا أَتَى الْمُكَاتَبُ بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ إذَا خَالَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ ذَلِكَ هُنَا فَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِحُلُولِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقَبْضِ بَلْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَيْ أَوْ الْإِعْتَاقِ إنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ لَا يَتَبَيَّنُ لِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ يُجْبَرُ، وَالْفِقْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إجْبَارِهِ عَلَى الْقَبْضِ وَالْقَبْضِ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَيُقَالُ يُجْبِرُهُ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَفْدِ قَبَضَ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ذِكْرُ قَبْضِ الْقَاضِي هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا أَتَى بِالنَّجْمِ وَالسَّيِّدُ غَائِبٌ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِثْلَ ذَلِكَ هُنَا كُتِبَ عَلَيْهِ ذَكَرُوهُ بَعْدَهُ ر وَقَوْلُهُ وَالْفِقْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَخَيَّرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الضَّرَرِ) وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» .

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ) قَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ لَفْظَهُ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ الْفَارِقِيُّ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>