للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَوْ) قَالَ لَا أَمْلِكُ هَذَا (لِأَنَّهُ مَغْصُوبٌ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مَالِكَهُ فَمَالٌ ضَائِعٌ) ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ (وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ) أَيْ مَنْ أَقْسَمَ (نَدِمْت عَلَى الْقَسَامَةِ) فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ (فَإِنْ) ادَّعَى قَتْلًا عَلَى رَجُلٍ، وَ (أَخَذَ الدِّيَةَ بِيَمِينِهِ وَاعْتَرَفَ آخَرُ بِالْقَتْلِ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ) الْآخِذُ (فَلَا أَثَرَ) لِقَوْلِهِ فِيمَا جَرَى (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ صَدَّقَهُ (رَدَّ الدِّيَةَ) عَلَى الَّذِي أَخَذَهَا مِنْهُ (وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُقِرِّ) بِهَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا بَنَى الدَّعْوَى الْأُولَى عَلَى ظَنٍّ حَصَلَ لَهُ، وَإِقْرَارُ الثَّانِي يُفِيدُ الْيَقِينَ أَوْ ظَنًّا أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْطِ.

(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ)

هِيَ لُغَةً اسْمٌ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ وَلِأَيْمَانِهِمْ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِأَيْمَانِهِمْ وَيُطْلِقُهَا أَئِمَّتُنَا عَلَى الْأَيْمَانِ مُطْلَقًا أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ لَمَّا أَخْبَرُوهُ بِقَتْلِ الْيَهُودِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ، وَأَنْكَرَهُ الْيَهُودُ أَتَحْلِفُونَ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نُشَاهِدْ، وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ كُفَّارٍ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» .

(وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ الْأَوَّلُ فِي مَحِلِّهَا) أَيْ الْقَسَامَةِ (وَهُوَ قَتْلُ الْحُرِّ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ) الْآتِي بَيَانُهُ (وَكَذَا الْعَبْدُ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَهُ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَفِي مَعْنَاهُ الْأَمَةُ، وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ (فَلَا قَسَامَةَ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ مِنْ جُرْحٍ، وَإِتْلَافِ مَالٍ) بَلْ يُصَدَّقُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ) ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ وَحُرْمَتُهَا أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ غَيْرِهَا وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ وَكَذَا لَا قَسَامَةَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ اللَّوْثِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ الظَّنَّ (وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ) فِيمَا لَوْ كَانَ كَافِرًا (وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ) فِي الْأُولَى (أَوْ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ) فِي الثَّانِيَةِ (فَلَا قَسَامَةَ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ ضَمَانُ الْجُرْحِ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَوْ تَجْدِيدِ الْعَهْدِ جَرَتْ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ ضَمَانُ النَّفْسِ.

(وَاللَّوْثُ) لُغَةً الْقُوَّةُ، وَيُقَالُ الضَّعْفُ يُقَالُ لَاثَ فِي كَلَامِهِ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ ضَعِيفٍ وَاصْطِلَاحًا (قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي كَأَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي مَسَاكِنِ أَعْدَائِهِ) كَالْحِصْنِ وَالْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَحَلَّةِ (الْمُنْفَرِدَةِ عَنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مَثَلًا بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ يَطْرُقُهَا غَيْرُهُمْ فَلَا لَوْثَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَتَلَهُ وَاعْتِبَارُ عَدَمِ الْمُخَالَطَةِ جَرَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَقَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بَلْ جَمِيعُهُمْ إلَّا الشَّاذَّ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ تَصْحِيحُ اعْتِبَارِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمْ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِلَّا فَاللَّوْثُ مَوْجُودٌ فَلَا تُمْنَعُ الْقَسَامَةُ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَيَدُلُّ لَهُ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ فَإِنَّ إخْوَةَ الْقَتِيلِ كَانُوا مَعَهُ وَمَعَ ذَلِكَ شُرِعَتْ الْقَسَامَةُ، قَالَ الْعِمْرَانِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْمَكَانَ غَيْرُ أَهْلِهِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْعَدَاوَةُ (أَوْ) يُوجَدُ (قَرِيبًا مِنْ قَرْيَتِهِمْ) مَثَلًا (وَلَا سَاكِنَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَا عِمَارَةَ) ثَمَّ (أَوْ) يُوجَدُ، وَقَدْ (تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَعْدَاءَهُ (وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ عَضٍّ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ عَصْرٍ (وَلَوْ) كَانَ وُجُودُهُ (فِي الْمَسْجِدِ أَوْ) فِي (بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ) فِي (الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ) كَبُسْتَانٍ، وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ عَضٍّ يُغْنِي عَنْهُ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ الطَّرَفِ الثَّانِي بَلْ ذِكْرُهُ هُنَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ (أَوْ) يُوجَدُ، وَقَدْ (ازْدَحَمُوا فِي مَضِيقٍ) إذْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ ازْدَحَمُوا كَانَ أَوْلَى، وَأَخْصَرَ (أَوْ وُجِدَ) الْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ يُوجَدُ (قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مُلَطَّخٌ سِلَاحُهُ) أَوْ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ (بِالدَّمِ، وَلَا قَرِينَةَ تُعَارِضُهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ ثُمَّ مَا تُمْكِنُ إحَالَةُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ (فَلَوْ وُجِدَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ أَوْ رَجُلٌ) آخَرُ (مُوَلٍّ ظَهْرَهُ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ أَوْ غَيْرُ مُوَلٍّ (أَوْ وُجِدَ أَثَرُ قَدَمٍ أَوْ تَرْشِيشِ دَمٍ فِي غَيْرِ جِهَةِ صَاحِبِ السِّلَاحِ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ فِي حَقِّهِ) إنْ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ كَأَنْ وُجِدَ بِهِ جِرَاحَاتٌ لَا يَكُونُ مِثْلُهَا مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وُجِدَ.

(ثُمَّ وَلَوْ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: فَمَالٌ ضَائِعٌ) وَفِي الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ الْيَدِ عَنْهُ

[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ]

[الطَّرَف الْأَوَّلُ فِي مَحِل الْقَسَامَة]

(قَوْلُهُ: وَاللَّوْثُ قَرِينَةٌ تُوقِعُ إلَخْ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الْقَرِينَةَ الْحَالِيَّةَ وَالْقَوْلِيَّةَ وَالْفِعْلِيَّةَ، وَالْمُرَادُ أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي قَلْبِ الْحَاكِمِ صِدْقَ دَعْوَاهُ (قَوْلُهُ: صَدَقَ الْمُدَّعِي) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا عَرَفَ أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ عَلِمَ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ: أَعْدَائِهِ) يَكْفِي كَوْنُهُمْ أَعْدَاءَ الْقَبِيلَةِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْعَدَاوَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِسَبَبِ دِينٍ وَدُنْيَا إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ يُسَاكِنْهُمْ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ تَصْحِيحُ اعْتِبَارٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قَالَ الْعِمْرَانِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْمَكَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَبِيهَةٌ بِالدَّارِ الَّتِي تَفَرَّقَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَنْ قَتِيلٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا سَاكِنَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَا عِمَارَةَ) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ اشْتِرَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ طَرِيقٌ جَادَّةٌ كَثِيرَةُ الطَّارِقِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>