للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يُجَابُ عَمَّا قَالَهُ مِنْ مُوَافَقَةِ مَا فِي الْإِقْرَارِ لِكَلَامِ الْهَرَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا لَمْ يُعْرَفْ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ ذِي الْيَدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ الْيَقِينُ غَالِبًا، وَمَا بَحَثَهُ فِي الثَّانِيَةِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي الْأُولَى، وَإِلَّا فَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ أَيْضًا وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ، وَإِنْ تَلِفَتْ فَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيهَا إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا.

(فَرْعٌ:) لَوْ (رَكِبَ) الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ (جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ) وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجَهْلِ، وَعَدَمِهِ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ تَسْلِيطِهِ وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ قَالَ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ وَالْإِعَارَةَ إبَاحَةٌ، وَإِذْنٌ وَلَا يُشْكِلُ الْجَوَابُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَفْوِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ فِي الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ إذْ الْعَفْوُ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّوَكُّلِ فِيهِ (وَبِمَوْتِهِ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (يَلْزَمُ الْوَارِثَ) لَهُ (الرَّدُّ) لِلْعَارِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمُعِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، وَقَدْ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُعِيرُ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ الْوَارِثِ وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ بِزِيَادَةٍ.

(كِتَابُ الْغَصْبِ) . الْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩] أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، وَقَوْلِهِ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» ، وَخَبَرُ «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعَ أَرَضِينَ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ (هُوَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ أَخْذُهُ ظُلْمًا جَهَارًا وَشَرْعًا (الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا) وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ، وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ، وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

لِلضَّمَانِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ أَيْضًا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ) إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ.

[فَرْعٌ رَكِبَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ]

(قَوْلُهُ: فَرْعٌ لَوْ رَكِبَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ فِيمَا لَوْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَاسْتَعْمَلَهَا الْمُسْتَعِيرُ جَاهِلًا. اهـ. وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَعَارَ ثُمَّ جُنَّ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ فِي مُدَّةِ جُنُونِ الْمُعِيرِ غَيْرَ عَالِمٍ بِجُنُونِهِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِهِ يَلْزَمُ الْوَارِثَ الرَّدُّ لِلْعَارِيَّةِ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، وَهَلَكَتْ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي التَّرِكَةِ، وَإِنْ قَدَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ هُنَا وُجُوبُ مُبَاشَرَتِهِ وَتَحَمُّلُ مُؤْنَتِهِ كَمَا فِي الْمُسْتَعِيرِ (فَرْعٌ) لَوْ أَوْدَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ فَكَإِيدَاعِ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةَ.

[كِتَابُ الْغَصْبِ وَفِيهِ بَابَانِ]

(كِتَابُ الْغَصْبِ) .

(قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ» إلَخْ) أَيْ يُكَلَّفُ حَمْلَهُ وَقِيلَ يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ قَيَّدَهُ الْعَبَّادِيُّ وَشُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِغَصْبِهِ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبْعَ مِثْقَالٍ كَمَا يُقْطَعُ بِهِ فِي السَّرِقَةِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ عَنْ الْهَرَوِيِّ، وَأَقَرَّهُ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ بُلُوغُهُ نِصَابًا فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غَصْبَ الْحَبَّةِ وَسَرِقَتَهَا كَبِيرَةٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ وَقْفَةٌ. (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا) فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَأْخُوذُ بِسَرِقَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ اخْتِلَاسٍ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُسَمَّى غَصْبًا، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِأَسْمَاءِ كَمَا يُسَمَّى بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ صَرْفًا، وَإِنْ شَمِلَهُ اسْمُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ إلَخْ) إدْخَالُ أَلْ عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ، وَإِنْ كَثُرَ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنْ أَرَادَ بِالْحَقِّ مَا وَجَبَ لَهُ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِ خَرَجَ بِهِ الْوَكِيلُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُودَعُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ الْحَقَّ الْجَائِزَ مُسَاوٍ لِلتَّعْبِيرِ بِالْعُدْوَانِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ فِيهِ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ الْحَقَّ الْمُسَوِّغَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ) اعْتَذَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ بِأَنَّهُ سَيَتَكَلَّمُ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْغَصْبِ أَمْرَانِ الرَّدُّ وَالضَّمَانُ، وَهُمَا إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ فِي الْمَالِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ وَاجِبَهُ الرَّدُّ خَاصَّةً وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ هُوَ حَقِيقَةً ضَمَانًا وَعِصْيَانًا.

الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِعُدْوَانٍ وَحُكْمًا ضَمَانًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ بِلَا عُدْوَانٍ كَالْقَبْضِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاسْتِعْمَالُ الْأَمَانَةِ غَلَطًا، وَعِصْيَانًا فَقَطْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا كَالسِّرْجِينِ وَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا. (تَنْبِيهٌ) فِي الْكَافِي لَوْ رَأَى مَالَ غَيْرِهِ يَغْرَقُ أَوْ يَحْتَرِقُ فَأَخَذَهُ حِسْبَةً لِيَرُدَّهُ فَتَلِفَ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ أَوْ اسْتَنْقَذَ شَاةً مِنْ الذِّئْبِ لِيَرُدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا، وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَتَلِفَتْ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّدِّ أَوْ وَقَعَتْ بَقَرَةٌ فِي الْوَحْلِ فَجَرَّهَا لِمَالِكِهَا فَمَاتَتْ لَا بِسَبَبِ الْجَرِّ فَفِي الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَجْهًا وَاحِدًا وَقَوْلُهُ: قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>