للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَظِيرَهُ فِي التَّزْوِيجِ بِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الدَّرْءِ وَيَجُوزُ لِجَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ لِلْجَانِي وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ نَحْوَ إغْرَاقٍ، أَوْ تَحْرِيقٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ عَاجِزٌ) عَنْ الِاسْتِيفَاءِ (كَشَيْخٍ، أَوْ امْرَأَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِلِاسْتِيفَاءِ فَتَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ، وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ دُخُولِهِ فِيهَا، وَأَنَّهُ يُنِيبُ إذَا خَرَجَتْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ كَالْقَادِرِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَوْ خَرَجَتْ لِقَوِيٍّ فَعَجَزَ) قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ (أُعِيدَتْ) لِلْبَاقِينَ (فَإِنْ خَلَفَ) الْقَتِيلَ (امْرَأَةٌ) لَا تَسْتَغْرِقُ كَبِنْتٍ، أَوْ جَدَّةٍ (اسْتَوْفَاهُ السُّلْطَانُ مَعَهَا) كَالْمَالِ، وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِيهِ أَيْضًا.

(فَصْلٌ) لَوْ (قَتَلَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَقِصَاصُهُ لِوَرَثَتِهِ) لَا لِمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، وَوَرَثَتُهُ هُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ (وَكَذَا لَهُمْ دِيَتُهُ) الْوَاجِبَةُ بِعَفْوِهِمْ عَلَيْهَا، أَوْ بِغَيْرِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ أَحَدُ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ) مُبَادَرَةً (بِلَا إذْنٍ) ، وَلَا عَفْوٍ مِنْ الْبَقِيَّةِ، أَوْ بَعْضِهِمْ، وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ (سَقَطَ عَنْهُ) يَعْنِي لَمْ يَلْزَمْهُ (الْقِصَاصُ) إنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقَتْلِ (لِلشُّبْهَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ كَمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِقَتْلِهِ (وَلَزِمَهُ) لِوَرَثَةِ الْجَانِي (مَا زَادَ) مِنْ دِيَتِهِ عَنْ (نَصِيبِهِ مِنْ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ مُوَرِّثِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الزَّائِدِ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ بِقَتْلِهِ الْجَانِي كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْحَقُّ، أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ تَقَاصًّا بِمَا لَهُ عَلَى تَرِكَةِ الْجَانِي عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِذَا) جَهِلَ الْقَاتِلُ (تَحْرِيمَ الْمُبَادَرَةِ فَهَلْ تَحْمِلُهُ) أَيْ بَدَلَ الْقَتْلِ، وَهُوَ الدِّيَةُ (عَاقِلَتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْخَطَأِ، أَوْ فِي مَالِهِ لِقَصْدِهِ الْقَتْلَ (قَوْلَانِ) ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ (وَ) أَمَّا (حَقُّ وَرَثَةِ) الْمَقْتُولِ (الْأَوَّلِ) فَهُوَ فِي (تَرِكَةِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ) الْأَنْسَبُ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِمْ، أَوْ قَاتِلِهِ أَيْ الْأَوَّلِ أَيْ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي لَا فِي ذِمَّةِ الْمُبَادِرِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادِرَ فِيمَا وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَفَارَقَ مَا لَوْ أَوْدَعَ غَيْرَهُ وَدِيعَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَإِتْلَافُهَا أَحَدَهُمَا حَيْثُ يَرْجِعُ الْآخَرُ بِضَمَانِ نَصِيبِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُودَعِ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُودَعِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَلَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ، وَنَفْسُ الْجَانِي مَضْمُونَةٌ حَتَّى لَوْ مَاتَ، أَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمْ وَعَلِمَ) بِعَفْوِهِ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْجَانِي إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْقَتْلِ بَعْدَ الْعَفْوِ فَكَانَ كَقَتْلِ مَنْ ظَنَّهُ مُرْتَدًّا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ (فَوَجْهَانِ) صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيُّ وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي قَتْلِ مَنْ ظَنَّهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ خِلَافُهُ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ اللُّزُومِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ (فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ) لِلْجَانِي (فَنَصِيبُهُ) مِنْ دِيَةِ مُوَرِّثِهِ (لِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي فَإِنْ عَفَا) عَنْهُ (وَارِثُ الْجَانِي) كَمَا عَفَا عَنْ الْجَانِي بَعْضُ وَرَثَةِ قَتِيلِهِ (عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ) مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ.

(فَصْلٌ) لَوْ (قَتَلَ رَجُلٌ جَمَاعَةً) ، أَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ (مُرَتَّبًا فَالْقِصَاصُ) عَلَيْهِ (بِالْأَوَّلِ مِنْهُمْ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ، وَإِنْ طَلَبُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَمْ يُجَابُوا) إلَيْهِ (وَيُحْبَسُ) الْقَاتِلُ فِيمَا لَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ غَائِبًا (لِبُلُوغِ وَلِيِّهِ) ، وَإِفَاقَتِهِ (وَقُدُومِهِ فَإِنْ عَفَا) الْأَوَّلُ أَيْ وَلِيُّهُ (فَلِمَنْ) أَيْ فَالْقِصَاصُ لِوَلِيِّ مَنْ (بَعْدَهُ لَا إنْ أَمْهَلَ) وَلِيُّ الْأَوَّلِ بِأَنْ لَمْ يَعْفُ، وَلَمْ يَقْتَصَّ فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْمُتَأَخِّرِ قَتْلُ الْقَاتِلِ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُتَأَخِّرُ عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ (وَ) قَدْ (اسْتَوْفَى) بِذَلِكَ قِصَاصَهُ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ (ثُمَّ لِكُلٍّ) مِنْ الْبَاقِينَ (دِيَةٌ فَإِنْ طَالَبَ) وَلِيُّ (الثَّانِي دُونَ) وَلِيِّ (الْأَوَّلِ) بِالْقِصَاصِ مِنْ الْقَاتِلِ (فَقَتَلَهُ بِهِ) أَيْ بِالثَّانِي (الْإِمَامُ، وَلَمْ يَبْعَثْ لِلْأَوَّلِ) لِيَعْرِفَ أَهُوَ طَالِبٌ أَمْ عَافٍ (كُرِهَ تَحْرِيمًا) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّهِمْ عَلَيْهِ حَقَّ الْقَوَدِ (وَلَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا، أَوْ أَشْكَلَ السَّابِقُ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَقَتَلَهُمْ دَفْعَةً أَمْ مُرَتَّبًا، أَوْ عُلِمَ سَبْقٌ، وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ (فَالتَّقَدُّمُ بِالْقُرْعَةِ) بَيْنَهُمْ (وَاجِبٌ) الْمُرَادُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ لِيُقَدَّمَ بِهِ (فَيَنْتَظِرُ لِصَبِيٍّ) وَمَجْنُونٍ أَيْ لِكَمَالِهِمَا (وَغَائِبٍ) أَيْ حُضُورَهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَصْحِيحُ دُخُولِهِ فِيهَا إلَخْ) قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ: إنَّهُ غَلَطٌ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

[فَصْلٌ قَتَلَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا]

(قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ) شَمِلَ مَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ ظَنَّهُ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ عَامِدًا (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَتْلِ) ، وَكَذَا إنْ حَكَمَ بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا الْأَصَحُّ خِلَافُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ صَاحِب الْحَاوِي أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَاكِمِ حُكْمٌ لَا بِالتَّمْكِينِ، وَلَا بِالْمَنْعِ فَإِنْ حُكِمَ بِمَنْعِ الِانْفِرَادِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ ارْتَفَعَتْ بِحُكْمِهِ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَيِّرُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ) مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِمَنْعِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْحَقُّ) هُوَ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْلُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَرَيَانِ التَّقَاصِّ فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عُدِمَتْ الْإِبِلُ وَوَجَبَتْ قِيمَتُهَا (قَوْلُهُ: فَهَلْ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ) قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ (قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ) لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ الْقَوَدِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْعَفْوِ أَمْ لَا.

[فَصْلٌ قَتَلَ رَجُلٌ جَمَاعَةً أَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ مُرَتَّبًا]

(قَوْلُهُ: فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِالْأَوَّلِ) لَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَقِيلَ دِيَتُهُ لِوَلِيِّ الْأَوَّلِ وَالْمَذْهَبُ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهَا لِلْكُلِّ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ) أَيْ وَلِيُّهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ بِلَا مَالٍ بَاطِلٌ وَعَلَى مَالٍ فَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْوَصِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>